سقط الكثير من الخطوط الحمراء فى السنوات القليلة الماضية، وكان سقوطها الواحد تلو الآخر جزءا أساسيا من كسر حاجز الخوف الشهير كما كان علامة على وجوده أصلا وعلى هشاشته أيضا. من الصعب الآن تخيل أن مبارك كان خطا أحمر فى يوم من الأيام أو أن عبارة «لا للتوريث» كانت عبارة غاية فى الخطورة على من يتفوه بها. سقطت تلك الخطوط الحمراء على يد مواطنين شجعان كما سقطت بعد ثورة يناير خطوط حمر عدة ونُزعت الحصانة عن ذوات كانت من قبل مصونة لا تمس. تبادل الشعب المواقع مع أحد أهم تلك الذوات واقتنص لنفسه اللقب المستحق كما فى الهتاف الشهير: «إحنا الشعب الخط الأحمر ــ يسقط يسقط حكم العسكر». وكان ذلك أيضا من الصعب تخيله قبلا.
الشجاعة المطلوبة لكسر الخط الأحمر الخاص بمبارك أو حكم العسكر لا تقارن بما يتطلبه مجرد الحديث عن الخط الأحمر الحقيقى فى هذا البلد ألا وهو الأم المصرية التى لا يخرج مسموح الكلام بخصوصها عن مواضيع الأصالة والحنان والتضحية. أتردد (بدافع الخوف على رقبتى فقط لا غير) فى فتح الموضوع حول بعض الجوانب الأخرى لتلك الشخصية العظيمة وبصفة خاصة الآثار الجانبية لسلطتها وسطوتها.
لا أحتاج بالطبع أن أؤكد أن الأم المصرية مسكينة بالفعل وتتحمل أعباء لا تطاق وربما يعد من التهور أن أتطرق إلى انتقاد سلطة الأم ونحن فى مجتمع تعانى فيه النساء بشكل عام والأمهات بشكل خاص من أنواع قهر وقمع اقتصادى واجتماعى عديدة، ولاشك أن ظروف القهر هذه قد شكلت إلى حد كبير طبيعة سلطة الأم داخل النطاقات التى تتمتع فيها بالتحكم شبه الكامل: البيت والأولاد.
بينما يتمتع الأب بالسلطة الرسمية وهى كبيرة الأثر ولا يستهان بها بالطبع. تتحمل الأم الأعباء الحقيقية للحكم مما يعنى تمتعها بالسلطة الفعلية، ودخولها كطرف دائم فى المواجهات اليومية المباشرة. المحرك الرئيس لسطوة الأم المصرية هو دفع أبنائها إلى الشعور بالذنب بصرف النظر عما إذا كانوا اقترفوا ذنبا أم لا. لا يعترف الأهالى عموما والمصريون خصوصا والأم بالذات بتعبير جبران خليل جبران الجميل «أبناؤكم ليسوا لكم ــ أبناؤكم أبناء الحياة»، كثيرا ما يمنعون عنهم استحقاقات عديدة وبخاصة أية استحقاقات بها شبهة متعة حتى ولو بريئة بمعايير القيم الأسرية العادية. تخاف الأمهات على أبنائها طبعا فالعالم الخارجى هو كتلة من الأخطار ولا تطمئن قبل أن يعودوا من الدرس أو من النزهة ــ يدفعها الخوف إلى منعهم من الخروج أصلا وحين ينجح الابن أو الابنة فى الخروج يكون محملا بما يكفى من الذنب لإفساد الخروجة. أحيانا ما أقول مازحة أن السبب الرئيس لرغبة الشباب فى الهجرة هو الأهل وبالذات الأم وليس البطالة وأحيانا ما أتخيل حين أسمع شابا يقول: «أنا مخنوق من البلد»، أن لسان حاله يقول إنه مخنوق من الخط الأحمر إياه. وأحيانا تقبل الفتيات بزيجات غير مناسبة فقط حتى تحظى ببعض الاستقلال حتى تستطيع أن تخرج متى شاءت أو حتى أن تطبخ ما تريد.
سأتهور أكثر لأقول أن أحيانا ما تكون تضحيات الأم غير مطلوبة أو فى غير محلها بل وقد تشكل عبئا على أبنائها دون أن تدرك ذلك. أتحسس الآن رقبتى وأنا أقول أنها أحيانا تضحى بسعادتها فى سبيل تعاسة أبنائها.
حفظ الله جميع الأمهات ومتعهن بالصحة والسعادة والمفهومية.
باحثة مصرية