لا تصدق أبدا من يقول لك إننا نمتلك أعظم دستور، ولا تصدق كذلك الإعلانات التليفزيونية التى تغريك بالموافقة عليه فى الاستفتاء حتى تحل كل مشكلاتك فى غمضة عين، فقبل أن تحسم أمرك وتضع ورقتك فى صندوقك، عليك أن تعلم جيدا أنك ببساطة تختار بين السيئ والأسوأ، وأن من يخدعونك بأنك تختار الدستور الأعظم، هم فقط محترفو اللعب بالثلاث ورقات، وهم الذين على أهبة الاستعداد دائما لبيعك أنت وكل أهل دائرتك نفر نفر، مقابل أن يتقربوا خطوة أكثر من الحكام الجدد.
الدستور الجديد هو بالتأكيد أفضل مليون مرة من دستور الإخوان، على الأقل لأنه تخلص من الارتباك الذى شوه بنوده المتعلقة بمواد الهوية والشريعة بتفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان، لكنها كانت على مقاس «الأهل والعشيرة»، إلا أن العيب الخطير فى دستورنا الذى بدأنا الاستفتاء عليه صباح اليوم أنه دستور «توافقى» زيادة عن اللزوم، يحاول أن يرضى كل الأطراف، فجاء كابن شرعى لظروف استثنائية، لينظم أمور الحكم فى ظروف مفترض انها ستكون طبيعية، وهذا هو تناقضه الرئيسى، الذى يفرض على كل من يشارك فى الاستفتاء أن يدرك انه سيدلى برأيه فى دستور عمره قصير، وربما لن يستمر سوى عدة شهور، وانه سيخضع لتعديلات واسعة بمجرد التئام أول جلسة فى البرلمان القادم!
ومع ذلك، ورغم كل هذه المشكلات التى تحيط بالدستور الجديد، فإن التصويت بـ«لا» عليه، لا يعنى سوى سقوط خريطة الطريق أخلاقيا وسياسيا، وفتح الباب أمام مافيا الإخوان للاستمرار فى مسلسل النصب العلنى الذى يلعبونه منذ شهور تحت اسم «عودة الشرعية» أحيانا «والرئيس الغائب» أحيانا أخرى، للسطو على الحكم مرة أخرى، وساعتها لن يستطيع السيسى ولا غيره من قادة الجيش أن يتحدثوا باسم الثورة، أو أن الشعب نور عينيهم، أو أنهم على أتم الاستعداد لتنفيذ أوامره، والسيناريو الوحيد الممكن الرهان على حدوثه آنذاك، هو اندلاع معارك شوارع عنيفة بين الإخوان ومناصريهم من الجماعات التكفيرية، وبين بقية المصريين، ستطير فيها رقاب وستسال فيها دماء لم نعرف مثلها منذ ثورة يناير وحتى الآن، وستكون لهذه المعارك نهايات مفتوحة، قد يكون تقسيم مصر إحداها!
قولة «نعم» للدستور الجديد، تؤجل هذا السيناريو الدموى، لكنها لا تلغيه إلا فى حالة واحدة فقط، هو أن يحكم مصر نظام ديمقراطى حقيقى، تشير كل التكهنات إلى أن رئيسه سيكون الفريق عبدالفتاح السيسى، وهو ما يضعنا أمام السؤال اللغز: هل يصبح السيسى هو ذلك الجنرال الثورى الديمقراطى؟.. قد يمكننى أنا شخصيا الإجابة بـ«نعم»، إذا بدأ السيسى بإعادة فك وتركيب إمبراطورية الجيش الاقتصادية، ووضعها تحت قيادة مدنية، وساعتها فقط سيثبت السيسى فعلا أنه رجل الأقدار الذى يمكنه خوض معارك الوطن الكبرى فى الحرية والعدالة الاجتماعية..وأن قولة نعم للدستور كانت فعلا فى محلها!