أكاذيب إسرائيلية لتبرير أعمالها المسلحة - تقارير - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 10:28 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أكاذيب إسرائيلية لتبرير أعمالها المسلحة

نشر فى : الأحد 14 مايو 2023 - 9:30 م | آخر تحديث : الأحد 14 مايو 2023 - 9:30 م
تلجأ إسرائيل دائما لتزوير الحقائق واختلاق مبررات واهية لارتكاب جرائمها الدموية فى حق الشعب الفلسطينى. فى ضوء ذلك، تناول مايكل يونج فى مقال نُشر له على مدونة ديوان التابعة لمركز كارنيجى الرواية التى روجتها إسرائيل لتبرير الاغتيالات الانتقامية، التى نفذّتها ردا على مجزرة الألعاب الأوليمبية فى ميونخ خلال العام 1972، والرواية المضادة التى طرحها محمد داود عودة، المسئول الفلسطينى فى منظمة «أيلول الأسود». وتزامنا مع ما شاهدته غزة من غارات إسرائيلية بدعوى ما تشكله القاعدة العسكرية للمقاومة من خطر على أمن إسرائيل، نشر موقع درج مقالا للكاتب ماجد كيالى يقول فيه إن التضخيم من قوة وقدرة المقاومة الفلسطينية يدعم الرواية الإسرائيلية وحقها الزائف فى الدفاع عن نفسها... نعرض من المقالين ما يلى:

إحدى الحبكات الفرعية المثيرة للاهتمام فى النزاع الفلسطينى الإسرائيلى أن نفهم بالضبط ما جرى خلال الألعاب الأوليمبية فى ميونخ فى العام 1972 وبعده، حين أقدم مسلّحون فلسطينيون ينتمون إلى مجموعة أيلول الأسود على احتجاز رياضيين إسرائيليين رهائن لديهم وقتل إحدى عشرة رهينة منهم.
يشير كاتب المقال إلي أن النسخة المتداولة عن المأساة، هى أن المسئولين الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل انتقامًا للعملية كانوا جميعهم مذنبين بالتورّط فيها. وكان الأبرز بينهم على حسن سلامة الذى اغتاله جهاز الموساد فى يناير 1979 فى بيروت، إضافةً إلى آخرين، منهم ثلاثة مسئولين فى منظمة التحرير الفلسطينية قتلهم الإسرائيليون فى بيروت فى أبريل 1973، وهم كمال عدوان، وكمال ناصر ومحمد يوسف النجار. تقوم هذه السردية السائدة على تصوير الإسرائيليين بأنهم تحرّكوا ردًّا على مرتكبى جريمةٍ نكراء بدقّةٍ همجية إنما أخلاقية.
ولكن هذه الرواية عن عملية ميونخ تعرّضت للتحدّى فى العام 1999، حين قام محمد داود عودة، المعروف باسمه الحربى أبو داود، بنشر مذكراته بالتعاون مع الصحافى الفرنسى جيل دو جونشاى. الادّعاء الأساسى الذى ساقه أبو داود أنه هو، لا سلامة، مَن نظّم عملية ميونخ.
فى مُطلق الأحوال، اقتنع الإسرائيليون، منذ ذلك الحين، بضلوع أبو داود فى عملية ميونخ. يتحدّث الصحافى الإسرائيلى رونين بيرغمان، فى كتابه بعنوان Rise and Kill First: The Secret History of Israel’s Targeted Assassinations «قُم واقتل أولًا: التاريخ السرى لاغتيالات إسرائيل المركزة»، وهو لديه مصادر جيدة جدًّا داخل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، عن الدور المحورى الذى اضطلع به أبو داود فى العملية. ولكن إذا اقتنعنا برواية أبو داود، فهذا يعنى أن الاغتيالات الإسرائيلية التى نُفِّذت بعد ميونخ بحق عدوان والنجار وناصر وسلامة، استهدفت جميعها أشخاصًا لا علاقة لهم بما حلّ بالرياضيين. ويبدو أيضًا أن عدوان وناصر لم يشاركا مطلقًا فى عمليات أيلول الأسود.
يتطرّق بيرغمان إلى هذه المشكلة فى كتابه. فهو ينقل عن المدير الأسبق لوحدة مكافحة الإرهاب فى جهاز الموساد، شمشون يتسحاقى، قوله إن الإسرائيليين كانوا على يقين من ضلوع سلامة. ينبذ يتسحاقى مذكرات أبو داود مشيرًا إلى أنه «أراد أن يتبنّى كامل الفضل لنفسه». ولكن هذه الحجة تبدو مواتية للغاية. واقع الحال أن التفاصيل الواردة فى الكتاب عن الاستعدادات لعملية ميونخ مستفيضة، وتُظهر أن أبو داود كان مطّلعًا عن كثب على مجريات تنظيم العملية وتنفيذها. ولا شكّ أن الإدلاء بالاعتراف الكاذب فى عمّان أزعجه جدًّا، ولكن لو أسقط سلامة من الرواية بطريقة غير مبرّرة، لشكّل ذلك تهديدًا أكبر لسمعة أبو داود فى أوساط الفلسطينيين. وهكذا، فإن جميع المؤشّرات تدلّ على أنه كتب رواية صادقة.
قد يكون ممكنًا تفسير هذا التشوّش انطلاقًا من الطبيعة الحقيقية لأيلول الأسود. وفقًا للسردية الإسرائيلية، يبدو أن المنظمة كانت تتمتع بهيكلية جيدة، تحت قيادة نائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك صلاح خلف. ويصفها بيرغمان بأنها «فصيل آخر من فصائل فتح المتطورة باستمرار..». من هذا المنظور، كان سلامة وأبو داود من كوادر منظمة أيلول الأسود المتماسكة نسبيًا، وبالتالى أمكن اعتبار الرد الإسرائيلى ضدّ أى من عملاء المنظمة على نطاق أوسع بأنه ضربة تستهدف مرتكبى عملية ميونخ.
ولكن، إذا كانت أيلول الأسود أقل اتّساقًا من ذلك بكثير، ومجرّد عنوان أكثر مما هى منظمة، فعندئذٍ تتغيّر القصة. فى هذه الحالة، لا يؤشّر الانتماء الاسمى إلى أيلول الأسود بالضرورة إلى أن الشخص ضالعٌ فى عملية ميونخ، وبالتالى ربما استهدف منفّذو عمليات الاغتيال الإسرائيلية الأشخاص الخطأ. وإذا كان الإسرائيليون مدركين لهذا الالتباس، فربما كان الدافع وراء عمليات الاغتيال وقائع لا صلة فعلية لها بما جرى فى ميونخ، ولكنهم لتبرير ارتكابهم لها تذرّعوا بالثأر لعملية ميونخ.
صُوّر اغتيال سلامة بعد ست سنوات على أنه الفصل الأخير فى حملة الاغتيالات الإسرائيلية التى نُظمّت انتقامًا لعملية ميونخ. وينقل بيرغمان فى كتابه عن المسئول الإسرائيلى يائير رافيد قوله إن «قتل سلامة كان بالدرجة الأولى إغلاقًا لملف عملية ميونخ». لكن بيرغمان يشير أيضًا إلى أن عددًا من الأشخاص الذين عملوا مع سلامة نفوا هذا الاتّهام بشدة. ويُلمح كذلك إلى أمر اشتُبه به لفترة طويلة حول اغتيال سلامة، وهو أن السبب الحقيقى وراء تصفيته يُعزى إلى أن إسرائيل أرادت قطع الصلة بينه وبين شخصية مهمة فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، روبرت كلايتون أيمز.
إذًا، لم يكن اغتيال سلامة مرتبطًا بالإرهاب على الإطلاق، بل محاولة معيبة أخلاقيًا من الإسرائيليين لحرمان الفلسطينيين من قناة اتصال مباشرة مع واشنطن، من شأنها ربما تخطّيهم. مع ذلك، تمسّكت إسرائيل بحجة أن الاغتيال هدف إلى الثأر لعملية ميونخ، كى تتجنّب اللائمة التى كانت ستواجهها من وكالة الاستخبارات الأمريكية لتخلّصها من قناة تواصل استخباراتية قيّمة. لكن هذه الحجة لم تخدع كثيرين، ومن بينهم أيمز. وقد نقل بيرد عن إيسر هاريل، المدير العام السابق للموساد، قوله: «عرفنا أن سلامة كان يتواصل مع الأمريكيين. وعلمتُ لاحقًا أن أيمز غضب كثيرًا منا عندما قُتل على حسن».
اختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلي أن إذا استُخدمت عملية ميونخ كغطاء لتبرير اغتيال سلامة، فلا بدّ من طرح أسئلة جادّة حول ذنب الآخرين الذين قُتلوا تحت راية الثأر لعملية ميونخ. قد تساعدنا الإجابة عن هذه الأسئلة فى معرفة ما إذا كانت الاغتيالات الانتقامية التى نفذّتها إسرائيل دقيقةً أو أخلاقيةً بالفعل كما صوّرها كُثر.
• • •
ويشير الكاتب ماجد كيالى إلى أن المواجهة، أو الحرب الجارية اليوم بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية فى قطاع غزة، ليست الأولى من نوعها، فثمة قبلها مواجهات عدة، صعبة ومدمّرة ودامية، منذ هيمنة حركة «حماس» على القطاع، وفرض إسرائيل الحصار عليه. مع ذلك، يصرّ الخطاب الفصائلى فى غزة على تناسى تلك الوقائع كلها، والمآسى التى خلّفتها، والترويج لخطابات انتصارية، منتشية بحيازة قدر من القوة العسكرية، مع ادعاءات بفرض معادلات عسكرية وسياسية على إسرائيل، لم يثبت أى منها، أو لم تبالِ بأى منها.
الفكرة هنا، أن معظم الذين يتحدثون عن غزة لا يرون فيها إلا قاعدة عسكرية للمقاومة، أو قاعدة حربية لإطلاق الصواريخ، وكأنه لا يوجد بشر، من أطفال ونساء وشباب وشيوخ، من لحم ودم وأعصاب، بحاجة إلى كل مقومات العيش والأمان لاستمرار والتطور كمجتمع، وذلك مع سعيهم إلى المقاومة والتحرر من الاحتلال.
فإن مبالغة كهذه تروج لانطباع خاطئ مفاده أن الفلسطينيين، تحرروا من إسرائيل وباتت لديهم دولة، بدليل أنهم يملكون جيشا يوازى قوة الجيش الإسرائيلى، وهذه فكرة تنمّ عن جهالة وانفصام عن الواقع، والأخطر من ذلك أنها تودى إلى المهالك، فى إطلاق يد إسرائيل للبطش بالفلسطينيين وتدمير عمرانهم.
هذه المبالغة تدعم رواية إسرائيل عن الخطر الذى يتهددها، وأنها تدافع عن نفسها، وتزجّ الفلسطينيين فى غزة فى معركة تفوق قدرتهم على التحمل، وتستنزفهم، بدل أن تستنزف المقاومة عدوها، ويأتى ضمن ذلك الحديث عن وجود مضادات جوية لدى الفصائل تتصدى للطائرات الإسرائيلية، وعن امتلاكها صواريخ تهدد تل أبيب، علما أن كل تلك الصواريخ بالكاد حققت خسائر بشرية أو عمرانية لإسرائيل، وأن بضع عمليات فدائية لشباب أفراد، غير منتمين إلى أى فصيل، كبّدت إسرائيل، فى العام الماضى، خسائر بشرية أكثر من كل إطلاقات الصواريخ خلال الحروب كافة التى خاضتها الفصائل فى غزة.

النصوص الأصلية
https://bit.ly/42TNXbA
https://bit.ly/3I99sNw
التعليقات