لم يكن عالمنا المعاصر فى احتياج حقيقى إلى أن ترتفع أصوات المدافعين عن العدل والحرية والمساواة أكثر من اليوم.
فنحن أمام حرب مسعورة على القيم الإنسانية التى بدونها سنغرق جميعا فى المزيد من العنف والقتل والدماء والمظالم، حرب ليس من خصائصها الإجرامية الوقوف عند حدود بلدان بعينها أو مهاجمة بعض الشعوب وترك البعض الآخر أو الاكتفاء بإنزال الخراب ونشر خرائط الدماء فى مواقع دون غيرها.
نحن أمام حرب شاملة على الفكرة الديمقراطية التى تتنصل منها دول استقرت بها سيادة القانون، وتفاخر دول أخرى بابتعادها عنها وانتهاكها الممنهج لضمانات حقوق وحريات الناس.
فى مصر حرب لا نهاية لها على قيمة العدل ضحاياها يقبعون وراء الأسوار لأسباب سياسية، أو أطيح بهم بعيدا عن وظائفهم لأسباب سياسية، أو يعيشون خارج الحدود لأسباب سياسية.
فى بلاد العرب حروب على كل القيم الإنسانية تتورط بها حكومات وحكومات استحالت عصابات إرهابية وعصابات إرهابية تروم الحكم، والحصيلة المفجعة هى قتلى ومخيمات مرتحلين ولاجئين ودمار وخراب وحكام مستبدون.
تنتفى هنا أيضا الفوارق الجوهرية بين جرائم الأسد وجرائم داعش، بين جرائم ميليشيات الحشد مذهبية الهوية وطائفية الهوى وجرائم عصابات الإرهاب التى استوطنت أرض العراق، بين الإعدامات الجماعية فى السعودية وحرب جيشها وتابعيه على اليمن، بين الخراب والدمار الحادثين على الأرض وما يتساقط من السماء، بين التهديد والتعقب والقتل والتصفية بسبب الهوية الدينية والمذهبية والعرقية وبين التهديد والتعقب والقمع والإقصاء بسبب التفضيلات الشخصية المناقضة للإجماع المتوهم لمجتمعات الفضيلة التى ندعى انتسابنا إليها.
فى العالم البعيد عنا والمؤثر بشدة فى أحوالنا فى مصر وبلاد العرب حروب على الفكرة الديمقراطية تفتك بدساتير وقوانين ومؤسسات تقدر دون غيرها على صون حقوق وحريات الناس وضمان العدل والمساواة. حروب يشنها الفاشيون والغوغائيون فى الغرب الديمقراطى، كترامب الذى يوظف المذبحة الإجرامية فى أورلاندو بعدوانية بالغة وبمقولات عنصرية لا تتمايز فى الجوهر عن مقولات إرهابيى داعش وبامتهان غير أخلاقى للضحايا والدماء لا وجهة له سوى صناعة الخوف والحصول على الأصوات الانتخابية للخائفين فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠١٦.
حروب يشنها المستبدون والفاسدون فى البلدان صريحة أو مبطنة السلطوية، كحكومة فلاديمير بوتين التى تتعقب كل تعبير حر عن الرأى وتقمع كل تفضيل شخصى أو مجتمعى أو سياسى تصنفه متعارضا مع خليطها من الوطنية الشوفينية والنزوع الدينى المحافظ وتجهر بعدائها للفكرة الديمقراطية وبدعمها المستبدين والسلطويين على امتداد خرائط الدماء التى صارت عالمنا المعاصر.
وما لم ينظم المدافعون عن العدل والحرية والمساواة صفوفهم، ويدركوا عالمية نضالهم، وينحوا جانبا المواقف الرمادية التى تمنع البعض مثلا دون التضامن مع ضحايا تواجدوا فى مكان للمثليين جنسيا وتحول بين البعض الآخر وبين جر الخطوط المستقيمة بين المستبدين والإرهابيين هنا والفاشيين هناك؛ ستخسر البشرية هذه الحرب وستتواصل معاناتها بفداحة من الخراب والدمار والقتل والدماء.