تخيلوا.. رئيس ومثقف! - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تخيلوا.. رئيس ومثقف!

نشر فى : الأحد 15 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 15 يوليه 2012 - 8:00 ص

أنا مدين لدماء الشهداء فى مصر وتونس أنها أدخلتنى القصر الجمهورى فى حدائق القبة. قبل الثورة ما كان لمثلى ــ أو أى شخص عارض النظام ــ أن يدخل هذه القصور.

 

تلقيت دعوة كريمة من المستشار الصحفى بالسفارة التونسية سامى السايح لحضور لقاء مع الرئيس التونسى المنصف المرزوقى، موعد الدعوة كان فى السابعة والربع من مساء الجمعة الماضى.

 

فى الثامنة والنصف خرج الرئيس من مقر إقامته فى القصر ــ بعد أن استقبل بعض السياسيين ــ ليلتقينا نحن معشر الصحفيين والكتاب والمثقفين فى حديقة مفتوحة وسط القصر.

 

طوال ساعتين، فإن الانطباع الرئيسى الذى تخرج به من الاستماع ومحاورة المرزوقى أنك بصدد رئيس مثقف، وهى صفة تكاد تكون نادرة لدينا، ربما باستثناء الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.

 

رئيس ومثقف، كلمتان تبدوان متعارضتان فى وطننا الكبير الذى يبدو أن أحد شروط الحكم فيه أن تكون جاهلا.

 

المرزوقى ليس مثقفا عاديا، بل هو مثقف موسوعى ويكاد ينطبق عليه تعريف جرامشى للمثقف العضوى.

 

لا توجد جملة او عبارة ينطق بها إلا وفيها حديث عن كتاب مهم، أو مفكر كبير، أو نظرية غيرت مسار الفكر الإنسانى.

 

خلال حديثه تحدث المرزوقى عن الفين توفلر الذى تنبأ بمعظم ما نعيشه الآن خصوصا ثورة التكنولوجيا و«صدمة المستقبل»، تحدث عن مفكرين وفلاسفة وسياسيين من ديدرو وكارل ماركس وفولتير إلى لينين وماو.

 

تحدث عن دراية وفهم للثورات الكبرى التى غيرت التاريخ من ثورة كرومويل فى انجلترا عام 1641 إلى الثورة الروسية عام 1917 مرورا بالثورة الفرنسية ولم ينس الإشارة إلى «الثورة المحمدية».

 

تحدث المرزوقى عن كيفية فهم المصطلحات خصوصا مصطلح الثورة وكيف يمكن تفكيكه. المرزوقى الذى عاش فى أوروبا خصوصا فرنسا مبعدا ومطاردا من نظام بن على ما يزال على احتكاك واسع بالثقافة الغربية، لكنه أيضا وبحكم وصفه لنفسه «عروبى ووحدى لكنى غير قومى لأن الكلمة تم تشويهها»، وشعراؤه المفضلون ثلاثة أبوالقاسم الشابى وايليا أبوماضى وبالطبع أبوالطيب المتنبى.

 

فى بداية حديثه قال إنه عندما كان عمره خمس سنوات كان يعتقد أن أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ توانسة لأن صوتهم كان طوال اليوم يصدح فى منزله، وأنه تعلم وتثقف على مجلات روزاليوسف والهلال وسندباد، وأنه عرف مصر بأحوالها وحواريها وأزقتها من نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم والمنفلوطى وإذاعة صوت العرب.

 

عندما قال المرزوقى ذلك أدركت ماذا تعنى «القوة الناعمة» التى نلوكها ليل نهار لكن لا نعرف كيف نستعيدها، بل إن البعض يحاول الآن طمسها أو إزالة ما تبقى منها.

 

نعود لموضوعنا الأول ونسأل هل سمع أحدكم مؤخرا حاكما عربيا يتفاخر بأنه قرأ كتابا مهما أو حتى غير مهم أو يعرف أن هناك علما اسمه «الألسنية» هل سمعتم أحدا منهم يتحدث عن ضرورة «أخلقة وأنسنة» السياسة بمعنى جعلها أخلاقية وإنسانية.

 

قد يقول قائل إن المثقف عندما يصبح رئيسا لن يطعم شعبه ثقافة، وقد يكون ذلك صحيحا، لكن أن يكون لدينا رئيس مثقف أفضل من أن يكون جاهلا لأنه سيعرف أن هناك قيمة اسمها الحرية والإبداع، سيشجع العلم والثقافة، سيدرك أنه لا يحتكر الحقيقة وحده، وأنه أساسا لا توجد حقيقة مطلقة.

 

قبل أيام جلست مع الشيخ راشد الغنوشى الزعيم الروحى لحركة النهضة الإخوانية فى تونس خلال زيارته لـ«الشروق».. ولأن الغنوشى مثقف موسوعى كبير أيضا، فقد داعبته قائلا فى نهاية الحوار: هل تقبل أن تأتى لتعيش معنا فى مصر مؤقتا ونرسل «بعض» قادة الإخوان المسلمين إلى تونس؟!.

 

صحيح.. حتى القيادات حظوظ.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي