على الرغم من أن الدستور المصرى كفل لوسائل الإعلام استقلالها وحظر الرقابة عليها إلا فى زمن الحرب والتعبئة العامة، كما حظر أيضا توقيع أى عقوبات سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر والعلانية، إلا أن مجلس النواب الحالى كما السابق يصر على تجاهل نصوص الدستور الصريحة، بإصداره قوانين تشرعن الحجب والرقابة وتفتح الباب أمام توقيع عقوبات سالبة للحريات فى قضايا النشر.
قبل أيام وافقت اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الصحية على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بشأن إجراءات مواجهة الأوبئة والجوائح الصحية، يجيز الحبس فى قضايا النشر.
مشروع القانون الحكومى والذى من المنتظر مناقشته خلال اللجنة العامة غدا الثلاثاء، يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز العام وبالغرامة التى لا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أذاع أو نشر أو روّج عمدا أخبارا أو بيانات أو شائعات كاذبة مغرضة مرتبطة بالحالة الوبائية وكان من شأن ذلك تكدير السلم العام بين المواطنين أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
لا أعلم كيف تجاهل السادة أعضاء لجنة الصحة نص المادة 71 من الدستور التى حظرت الحبس فى قضايا النشر، إلا فى حالات التحريض على العنف والتمييز والطعن فى الأعراض، وهل أعضاء اللجنة التشريعية التى شاركت لجنة الصحة فى مراجعة مشروع القانون وهم من الخبراء فى مجال التشريع والقانون لم يقرأوا النص الدستورى؟
ما جرى ويجرى خلال الأعوام الماضية أظهر أن هناك حالة تربص بالصحافة والإعلام من بعض مؤسسات الدولة، هذه الحالة تظهر ليس فقط فى تعامل المصادر الرسمية مع الصحفيين والإعلاميين ولا فى محاولات حصار المهنة وتقييدها بشتى السبل، بل كلما طرح مشروع قانون له علاقة بالصحافة والنشر فى البرلمان، فمعظم القوانين التى تم تمريرها فى هذا الشأن خلال السنوات الماضية تستهدف تقنين عمليات الحجب والحاصر وتشهر دائما سلاح العقوبات السالبة للحريات.
فى مايو الماضى أحالت الحكومة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات، التعديلات كانت تتضمن عقوبات سالبة للحريات. مشروع التعديل تضمن مادة تعاقب بالحبس والغرامة كل من «صوّر أو سجل أو بث أو نشر أو عرض كلمات أو صورا لوقائع جلسة مخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأى وسيلة كانت، دون تصريح».
أثناء مناقشة تلك المادة فى البرلمان انتبه السادة النواب إلى أن النص الحكومى به مخالفة دستورية صريحة، فتم إلغاء عقوبة الحبس، بينما اكتفى المجلس بعقوبة الغرامة المالية وهى ليست بقليلة وتصب فى خانة تقييد العمل الصحفى كما أشرنا سلفا.
أرجو أن يلتفت السادة النواب لمخالفة إحدى مواد قانون مواجهة الأوبئة والجوائح الذى سيتم مناقشته غدا لنص المادة 71 من الدستور، وأن يتذكروا أن الدستور ألغى عقوبة الحبس فى قضايا النشر، ونرجو أيضا أن تتوقف حالة التربص بالصحافة والصحفيين.
ترسانة القوانين السالبة للحريات والمقيدة لاستقلال وسائل الإعلام، وضعت مصر فى ذيل الدول التى تحترم حرية الصحافة فى معظم التقارير الدولية المعنية بقياس حال الصحافة والإعلام وحرية الرأى والتعبير، فتصنيف مصر فى آخر تقرير لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، جاء فى المرتبة 166 ضمن 180 دولة حول العالم شملها التقرير.
استقلال الصحافة وحرية الصحفيين فى ممارسة عملهم ليس ترفا، فالصحفيون هم حراس الحقيقة فى أى مجتمع حر، والدولة لن تستقر وتنطلق نحو المستقبل، فى وقت تصر فيه الحكومات على وضع قيود جديدة على الصحافة والإعلام، فبدون صحافة حرة تراقب أعمال سلطات الدولة الثلاث وتمارس دورها باعتبارها عين المحكومين على الحكام، سينتشر الفساد والتخلف والفوضى.