معركة ضارية قادتها مصر بعد ثورة 1952 لبناء السد العالى، الذى بدأ العمل فى تنفيذ المرحلة الأولى منه فى 9 يناير 1960، قبل أن يكتمل هذا الصرح العملاق فى منتصف يوليو 1970، ليتم الاحتفال بافتتاحه فى 15 يناير 1971، كأعظم وأكبر مشروع هندسى فى القرن العشرين من الناحية المعمارية والهندسية لحماية مصر من الفيضانات العالية التى كانت تغرق مساحات واسعة بالمياه ويضيع جزء كبير منها هدرا فى البحر المتوسط.
وما بين مشروع بناء السد العالى كفكرة، ومراحل تنفيذه على أرض الواقع دفع المصريون ثمنا باهظا من دمائهم وعرقهم، بعد تخلى البنك الدولى عن تمويله، ولجوء مصر إلى تأميم قناة السويس بقرار من الرئيس جمال عبدالناصر فى 26 يوليو 1954، وما تبعه من عدوان ثلاثى شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل.
استرجاع معركة بناء السد العالى، احتلت جزءا من تفكيرى وأنا أتابع وقائع مؤتمر المناخ «COP 27» فى مدينة شرم الشيخ، فقد قدم السد العالى نموذجا مبكرا للطاقة الخضراء المولدة من حركة المياه، بما أتاح للمصريين إنارة مئات القرى والمدن ومد مصانع عملاقة بما تحتاجه من طاقة كهربائية تصل لمئات المليارات من الكيلووات/ ساعة، منذ إنشائه وحتى اليوم، قبل أن تواصل مصر رحلتها مع محطات الطاقة الكهرومائية فى نجع حمادى، وإسنا، وأسيوط الجديدة.
وبحسب العدد الرابع عشر من نشرة الطاقة المتجددة الصادر فى شهر أكتوبر الماضى شهد إنتاج الطاقة الكهرومائية خلال الربع الأول من العام المالى 2022/2023 ارتفاعا نحو 4627 جيجاوات/ ساعة بزيادة قدرها نحو 14,4% عن العام السابق، بينما سجلت مشروعات طاقة الرياح نحو 1845 جيجاوات/ ساعة بزيادة قدرها نحو 10,8% عن العام السابق، فيما بلغت طاقة الخلايا الشمسية المتصلة بالشبكة نحو 1248 جيجاوات/ ساعة بزيادة قدرها نحو 0,2% عن العام السابق.
هذا الإحصاء يظهر أن الطاقة الكهرومائية، والتى تأتى حصتها الأولى من السد العالى، لا تزال تحتل الصدارة فى الطاقة الخضراء التى ساهمت فى مجموعها خلال ذات الفترة، فى خفض انبعاثات ما يقارب 3500 ألف طن ثانى أكسيد كربون، وإحداث وفر فى الوقود يقارب 1430 ألف طن مكافئ نفط، و«هو ما يبرز الدور الكبير للطاقة المتجددة فى مجابهة تغير المناخ»، حسب نشرة هيئة الطاقة المتجددة.
وعلى الرغم من الأهمية النسبية لتوليد طاقة نظيفة من مساقط المياه والسدود، فإن محطة كهرباء السد العالى وباقى المحطات سواء المقامة على خزان أسوان أو فى نجع حمادى وإسنا وأسيوط الجديدة، أجد أن الحديث عنها فى مؤتمر المناخ كان بصوت خافت، ولم تحظَ هذه المشروعات الكهرومائية المهمة بما يليق بها من عرض يؤكد حرص مصر على المساهمة فى منع الانبعاثات الضارة بالكرة الأرضية منذ وقت مبكر.
كما أن مؤتمر شرم الشيخ كان يجب استغلاله بصورة أكبر لعرض وجهة نظر مصر حول أهمية نهر النيل بالنسبة لها، ليس على صعيد الاحتياجات المائية للشرب والزراعة فقط، بل ولتوليد طاقة نظيفة تقلل من الاعتماد على الوقود الأحفورى الذى يتسبب فى ضخ المزيد من الانبعاثات الكربونية التى تقف خلف الاحتباس الحرارى، وبما يترتب عليه من تغييرات مناخية حادة بتنا نلمس ما ينتج عنها من كوارث طبيعية.
وفى الأخير لا بد أن نترحم على كل عامل ومهندس وإدارى ساهم فى بناء السد العالى الذى لم تقف فوائده عند حماية مصر من الغرق خلال سنوات الفيضان المرتفع، ومن العطش فى أيام الجفاف، فقد قدم للمصريين طاقة نظيفة تجعلهم يفخرون عند عرض تجربة بنائه فى مؤتمرات المناخ، كما يدفعهم إلى الحرص الدائم على صيانة وتجديد توربينات هذا الصرح الهندسى العملاق.