صباح الجمعة الماضية توجهت مع عدد من الأصدقاء والزملاء الحزبيين لزيارة نقابة الأطباء (دار الحكمة) فى الموعد الذى حددته النقابة لاستقبال المتضامنين مع أعضائها فى موقفهم من اعتداء أمناء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية يوم ٢٩ يناير من هذا العام. وقد حرص الجميع على المغادرة قبل أن تبدأ وقائع الجمعية العامة المقصور حضورها على أعضاء النقابة وحدهم. ثم علمنا بعد ذلك من خلال وسائل الأعلام أن عدد الأطباء الذين حضروا الجمعية كان قياسيا بكل المعايير وأن حضورهم ملأ القاعات والأروقة وفاض فى الشوارع المحيطة، وأنهم قد أصدروا عدة قرارات تعبر عن تمسكهم بمطالبهم وإصرارهم على تصعيد الاحتجاج السلمى، ولكن دون التخلى فى ذات الوقت عن واجبهم تجاه المرضى ولا عن مسئوليتهم فى رعاية المواطنين.
وللأسف أن الدولة، حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تُبْد استجابة واضحة وحاسمة تجاه هذا الاحتجاج، بل تجاهلته وكأن الأمر يتعلق بخلاف بسيط أو مشاجرة عادية. أما الإعلام التابع للدولة والقريب منها فقد تراوح موقفه بين الإيحاء بأن الخطأ من البداية قد وقع من الأطباء وليس عليهم، وأن وراء احتجاجهم جماعة الإخوان المسلمين، وأن تيارات سياسية تسعى لهدم الدولة قامت بتحريض أعضاء النقابة، ثم انتقل بدوره إلى السكوت التام.
ولكن الحقيقة أن ما لمسته من لقاء النقيب، د. حسين خيرى، يوم الجمعة الماضية، ووكيل النقابة د. منى مينا، وأعضاء مجلس النقابة، والأطباء الشباب الذين حضروا منذ الصباح الباكر لتنظيم الجمعية، وما تابعته من أحداث وتطورات لاحقة، يؤكد عدم صحة هذ الأوصاف كلها، وأننا أمام موقف نقابى رصين ومحترم وعلى قدر كبير من المسئولية، وان الأجدر بالدولة أن تتفاعل معه إيجابيا بدلا من تجاهله او اتخاذ موقف سلبى منه.
من اللحظة الأولى للقائنا بالنقيب ومجلس النقابة، كان واضحا أن الأولوية المطلقة فى أى قرار يتخذونه سوف تكون لحماية المرضى وما يحقق مصلحتهم ويحمى حقوقهم. وبالفعل فقد جاءت قرارات النقابة معبرة عن هذا الموقف المبدئى. وليس خافيا أن حجم الغضب بين أعضاء النقابة، وخاصة الشباب منهم، كان يدفع فى اتجاه إجراءات أكثر حدة وتشددا بما فيها الإضراب العام. ولكن انتصر فى النهاية الصوت الداعى إلى التدرج فى التصعيد وإلى تجنب كل ما من شأنه أن يعرقل أو يهدد واجب الأطباء فى تقديم الرعاية الصحية، وهذا موقف جدير بالاحترام والتقدير.
أما محاولات البحث عن أياد خفية ومؤامرات دولية فقد باءت جميعا بالفشل لأن القضية ظاهرة كالشمس وعادلة، وأبطالها فوق مستوى الشبهات، ووقوف النقابات والأحزاب ووسائل الإعلام المستقلة وراءها عبر عن حجم اهتمام المجتمع بها، وكل هذا حصنها من الإدعاء بوجود مصالح خفية ومؤامرات وأجندات كما جرى العرف، خصوصا أن الرأى العام لم يعد يقبل هذه الذرائع بسهولة ودون توافر الأدلة الكافية.
وأخيرا فإن القول بأن نقابة الأطباء تسعى لاستغلال هذا الخلاف من أجل تحقيق مكاسب سياسية جاء الرد عليه من داخل النقابة ذاتها بما قدمته من مطالب تتعلق كلها بالحفاظ على كرامة وأمن الأطباء، وحمايتهم من التدخل الأمنى أثناء تأدية عملهم، ومحاسبة المسئولين عن الاعتداء على زملائهم بشكل قانونى وعادل وحاسم. وهذه بلا شك مطالب نقابية وقانونية وليس فيها أى تعبير أو انحياز سياسى.
سكوت الدولة إذن على مطالب الأطباء المشروعة ليس ممكنا ولا مفيدا، وكلما طالت المدة وزاد التجاهل تفاقمت الإزمة، خصوصا أن جانبا كبيرا من المجتمع صار يعتبرها مؤشرا عما إذا كانت الدولة مستعدة لتخفيف الاحتقان واحترام القانون والاستجابة للمطالب العادلة والمشروعة للناس عموما، أم ماضية فى تجاهل مظاهر الضيق والقلق والاحتجاج فى المجتمع.
قضية الأطباء لم تعد حادثا فرديا أو حتى موضوعا يخص نقابة الأطباء وحدها، والأجدر بالدولة أن تعيره الانتباه الكافى وتأخذ منه موقفا إيجابيا ومنصفا وسريعا لأنه لن يختفى أو يتوارى بمفرده.