فى لقائه مع طالبات وطلاب جامعة القاهرة تحدث الكاتب حلمى النمنم وزير الثقافة حديثا مهما، فيه الكثير من الجوانب التى تتصل بالحرية، وأهمية التنوع، والعدالة الثقافية، وإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر، وأشار إلى مسألة تحتاج إلى نقاش وهى علاقة الثقافة الوطنية بالعولمة، (حسب ما نشرت صحيفة الشروق بالأمس) وهى المطالبة بثقافة وطنية منفتحة، ليست مهددة بأفكار العولمة والأممية والصراعات.
بالتأكيد هناك ثقافة وطنية ينبغى أن تكون راسخة وحاضرة، لأنها أحد تجليات العقد الاجتماعى الذى ارتضى المجتمع أن يعيش فى رحابه، وبالتأكيد أيضا هناك أفكار وافدة ليست وليدة الخبرة الحضارية للمجتمع، تسبب شروخا فى بنيانه الثقافى، سواء أكانت تعبيرا عن التطرف الدينى أو الانفلات الأخلاقى بمعناه الواسع، وهو ما يستدعى التصدى لها. لكن الإشكالية، وأعتقد أن حلمى النمنم، وهو مثقف ومبدع ومطلع جيد على الحالة المصرية، يدرك أن المواجهة تحتاج إلى وسائل غير تقليدية، خاصة بعد أن أصبح المجتمع ذاته يبحر فى بحار العولمة.
أتصور أنه بينما كان وزير الثقافة يتحدث فى لقائه، كان الطلاب والطالبات يتصلون بالفضاء المفتوح عبر شبكة الانترنت، التى تقدم العولمة نموذجا فريدا للمزج بين الهاتف المحمول (وسيلة الاتصال) والاتصال الالكترونى (وسيلة التواصل). والمسألة تجاوزت طلاب الجامعات، وأصبحت فى متناول الأطفال فى المدارس الابتدائية وما دون. هؤلاء يشكلون ثقافتهم بشكل مغاير تماما للتكوين الثقافى الذى عرفته الأجيال السابقة، ولهم رموزهم وجمهورهم. أليست المقاهى الشعبية التقليدية ــ إحدى تعبيرات الثقافة الوطنية ــ تكتظ بعشرات الشباب الذين يشاهدون مباريات الكرة الأوروبية، ويعرفون الفرق وأسماء اللاعبين وسيرتهم الذاتية ومواعيد المباريات؟
العولمة حملت لنا السلع، ومنها الهاتف، والزى، والسيارة التى يستخدمها الجميع، وحتى المناهضين للعولمة، وهم كثر فى العالم، يستخدمون وسائلها فى مناهضتها (وسائل التواصل الاجتماعى مثلا). ولا يمكن أن نتصور أن تتدفق السلع والسلاح عبر الحدود، ونبنى جدرانا مانعة أمام الأفكار. وإذا نظرنا أمام الأفكار التنويرية والحداثية التى نتحدث عنها سنجد أنها أفكار وفدت إلينا نتاج العولمة، التى هى ظاهرة قديمة اكتسبت بالمناسبة اسما حديثا. الديمقراطية، الدستور، حقوق الإنسان، الإدارة الحديثة، الطب، الهندسة، الخ، جميعها نتاج مجتمعات حديثة، تعرفنا عليها، ونقلناها إلى مجتمعنا، حتى الأدوية الحديثة ننقلها من الخارج. أزمة الدولار التى نعيشها هى باختصار أزمة مجتمع يعيش فى فائض عولمة، ومساهمته فيها أقل بكثير من اعتماده عليها.
الثقافة ليست فقط أدبا وشعرا، ولكنها بالمعنى الاجتماعى الأوسع طريقة حياة. الثقافة الكونية واحدة، ولم تعد دولة بمنأى عن العولمة، وعواصم الدول التى بشرت بالعولمة ذاتها شاهد عيان على التفاعل الثقافى الكثيف، المهم أن يكون للمصريين بصمة فى السجال الكونى حول العولمة. يمثل نجيب محفوظ مثالا مهما، وغيره من المبدعين المصريين فى كل المجالات، وكذلك الأعمال الروائية والسينمائية المهمة التى ترجمت، ولها صدى وجمهور فى مناطق كثيرة من العالم، الذى بات يقيمنا بما ننتج، ونسهم فى تطوره، ونشتبك مع تحولاته، أكثر من الوقوف موقف المدافع تجاه مخاطر، لم تعد محتملة، لكنها حدثت، وتحدث، وسوف تحدث.
ســــامـــح فــــوزى