أحدث استئناف العلاقات بين السعودية وإيران إرباكا علي المستويين الإسرائيلي والأمريكي، وبخاصة لما يصاحبه من تعاظم للنفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط. في ضوء ذلك، تناولت الصحف والمواقع الأجنبية والعربية تبادل الاتهامات في الأوساط السياسية في إسرائيل ومخاوف أمريكا علي مكانتها في الشرق الأوسط.
في ضوء استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران نشر موقع The Hill مقالا للكاتب سيمون هندرسون تناول فيه السبب الرئيسي وراء التغير الذي طرأ مؤخرا علي السياسة السعودية تجاه إيران. فتشير أغلب التحليلات السياسية أن الكراهية وقلة الدعم الذي تتلقاه المملكة العربية السعودية من إدارة بايدن والديمقراطيين في الكونجرس هو السبب الرئيسي لهذا التصالح. لم تتخذ واشنطن أي إجراء حازم تجاه الأنباء التي تفيد بأن إيران تخصب اليورانيوم إلى مستوى أقل بقليل من 84%، وهو مستوى قريب جدًا من درجة تصنيع القنبلة. ما الذي حدث إذن لوعود البيت الأبيض بعدم السماح لإيران بصنع قنبلة نووية؟
حتى الأسبوع الماضي، كان الرد السعودي المتوقع هو أن واشنطن ستساند المملكة إذا أظهرت إيران أنها تمتلك أو يمكنها صنع قنبلة نووية. الآن، يبدو أن وجهة النظر السعودية قد انقلبت، مُظهِرةً استعدادًا للانسحاب من مواجهة إيران لدرء خطرها في ظل السياسة الأمريكية الخارجية الفاترة إزاء الرياض.
التفسير الأكثر حذرًا لمعنى التطبيع بين الدولتين، المقرر إجراؤه في الشهرين المقبلين، هو أنه جزء من اتفاق سلام تمت صياغته بعناية في اليمن لإنهاء الحرب الدائرة ضد الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران.
• • •
نشرت صحيفة The Times of Israel مقالا اشترك في إعدادة وكالة الأخبار الفرنسية وفريق تحرير الصحيفة تناول تأثير المصالحة بين الرياض وطهران علي إمكانية تحقيق الأهداف الإسرائيلية من تطبيع العلاقات مع المملكة وتحجيم الخطر الإيراني. أثارت أنباء هذا التصالح حفيظة بعض الساسة وكبار مسئولي الدولة في إسرائيل ضد نتنياهو، فانتقد رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، قائلا إنها تمثل فشل الجهود الإسرائيلية لتشكيل تحالف إقليمي ضد طهران وألقى اللوم بشكل مباشر على حكومة نتنياهو.
وأضاف أن "حكومة نتنياهو هي فشل اقتصادي ودبلوماسي وأمني مدوي، كل يوم تستمر فيه تعرض دولة إسرائيل للخطر، نحن بحاجة إلى حكومة طوارئ وطنية واسعة النطاق تعمل على إبطال الأضرار العديدة التي حدثت".
ومن جانبه، وصف يائير لابيد، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، هذه المصالحة بأنها "انهيار لجدراننا الدفاعية الإقليمية التي كنا نبنيها ضد إيران، هذا ما يحدث عندما تركز على الجنون القضائي بدلاً من القيام بالعمل ضد إيران وتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة".
• • •
أشار كل من سيما شاين ويوئيل غوجانسكي وإلداد شفيط في مقال نُشر لهم في صحيفة مباط عال إلي تأثير عودة العلاقات الإيرانية -السعودية علي إسرائيل والصين.
أعلنت السعودية وإيران، بوساطة صينية، عودة العلاقات وإعادة السفيرين بين الرياض وطهران، بعد شهرين على أبعد تقدير. وفي إطار الالتزامات المتبادلة، اتفقتا على تطبيق الاتفاقيات القديمة، والامتناع عن التدخل في الشئون الداخلية، بالإضافة إلى إطلاق حوار واسع بشأن القضايا الخلافية والإقليمية، مع التشديد على الأمن والاستقرار الإقليمي.
هذا الإنجاز الدبلوماسي مهم جداً للصين التي تريد تعزيز تأثيرها بين الطرفين (إيران والدول العربية الخليجية). هذه المصلحة تنعكس في اعتماد الصين الكبير على النفط من الدولتين، وتحسين العلاقات فيما بينهما هو جزء من استراتيجيا صينية واسعة، هدفها حفظ الاستقرار في الإقليم. الإنجاز الصيني بحد ذاته يعكس زيادة التدخُّل في الخليج، وخاصة في مجال رعاية عمليات تصالُح ما بين الدول الكبرى في منطقة ممتلئة بالتوتر، وبذلك تعزز مكانتها على صعيد صورتها العامة، على الأقل في مقابل الولايات المتحدة التي كانت الحليف الثابت للدول الخليجية على مدار عشرات الأعوام.
إسرائيلياً، هل يُعد استئناف العلاقات مفاجأة استراتيجية/استخباراتية؟ في جميع الأحوال، إن الخطوة السعودية شكلت ضربة للجهود التي أعلنها رئيس الحكومة نتنياهو من أجل الوصول إلى تطبيع رسمي مع الرياض؛ وضربت الجهود الإسرائيلية لتأسيس معسكر ضد إيران في المنطقة. الخطوة السعودية تشير إلى أن مصالحها الجيواستراتيجية نابعة من علاقات القوة الواضحة لمصلحة إيران. وعلى الرغم من أن التخوف السعودي من إيران لم يقلّ حتى بعد تجديد العلاقات، كما أن المصلحة في علاقات أمنية عميقة مع الولايات المتحدة مستمرة، فإن الاتفاق يعكس فهماً/ تخوفاً من أن الالتزام الأميركي غير كافٍ، وأن إيران دولة في طريقها لتصبح دولة نووية، وأن إسرائيل لا تشكل شبكة أمان في مقابل التهديد الإيراني. لذلك، عليها إدارة المخاطر وتقليل حدة المواجهة مع منافستها المركزية، ومن الأفضل "الحفاظ على عدوك إلى جانبك". هذا بالإضافة إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن استئناف العلاقات مع السعودية، بوساطة صينية، سيقوّي شعور الأمان لدى إيران وقدرتها على التعامل مع تشديد العقوبات الذي تريده واشنطن وتل أبيب، وهذا في وقت حدوث تقدُّم مقلق في المشروع النووي الإيراني. يمكن أن تدفع الخطوة أيضاً في اتجاه تقوية الجبهة مع روسيا والصين، والتي تستند إليها إيران.
وعلى الرغم من هذا كله، فإن استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية لا يمنع تطبيعاً مستقبلياً مع إسرائيل.
• • •
تعد تلك المصالحة بمثابة جهاز كشف أكاذيب نتنياهو، وهو ما أكده الكاتب عاموس هرئيلفي مقال نشر له في صحيفة هآرتس، إذ ذكر أن نتنياهو قبل أن يركز جهوده جميعها في الانقلاب القضائي، سوّق إعلانين استراتيجيين سيقوم بهما بعد عودته إلى الحكم. وكلاهما مترابط: الأول هو تطبيع كامل مع السعودية؛ والثاني حلّ التهديد النووي الإيراني، مع التلميح بأنه سيكون عسكرياً. وأضاف: إن كان هناك مَن توقّع أن يقاتل الطيارون السعوديون من أجلنا في إيران، فهذه التوقعات انهارت منذ زمن. أما بخصوص الهجوم العسكري الإسرائيلي، فعلى الرغم من النهج الهجومي الذي تبنّته إدارة بايدن مؤخراً ضد المشروع النووي الإيراني، فإن القطار الجوي الذي حمل المسئولين الأميركيين إلى هنا خلال الأشهر الأخيرة، يبدو أنه جاء ليضمن العكس: أن لا تقوم إسرائيل بالعمل ضد إيران بأي شكل من الأشكال، من دون إذن أميركي.
بعد فترة صعبة، تقوم طهران مؤخراً بتعزيز مكانتها الاستراتيجية. الخطوة الأهم الأولى كانت التقارب مع روسيا. الخطوة الثانية هي المصالحة مع السعودية، مع التشديد على أن الصين طرف مركزي في الاتفاق. في الوقت نفسه، لا تزال إيران تتقدم نحو الخط الأحمر الذي وضعه الغرب وإسرائيل سابقاً-تخصيب يورانيوم عسكري بنسبة 90%.
الأحداث خلال الأشهر الأخيرة تكشف حجم الأقوال من دون رصيد التي وزعها نتنياهو بشأن الموضوع الإيراني. وفانتازيا نتنياهو بإنشاء حلف إسرائيلي-سنّي لوقف إيران، إلى درجة شنّ هجوم مشترك، تتبدد شيئاً فشيئاً.
• • •
في ظل احتدام الصراع التنافسي بين الولايات المتحدة والصين، تعد تلك المصالحة بمثابة هدية للرئيس الصيني شي جين بينج. وعليه،تناول الكاتب سميح صعب في مقال نشر له على 180نجاح الوساطة الصينية في تعزيز الدور الصيني في منطقة كانت محسوبة على الولايات المتحدة تاريخياً.
فإذا بالقوة الناعمة الصينية تحقق اختراقا ديبلوماسياً واسعاً في الخليج. تطور أربك واشنطن، ولم يسعها في الوقت نفسه سوى الترحيب به، من زاوية ما يمكن أن يحمله من حل للحرب في اليمن، مع حمولة من التشكيك في نيات إيران على صعيد الالتزام ببنود اتفاق التطبيع. القلق الأميركي نابع من قدرة الصين على إحداث تغيير بهذا الحجم في الشرق الأوسط. ولم تكن واشنطن تخفي قلقها من تنامي الدور الصيني في الخليج، لا سيما عقب زيارة شي جين بينج للرياض في ديسمبر والإعلان عن "شراكة استراتيجية" بين السعودية والصين.
ما يضاعف من حجم الخشية الأميركية، هو أن التطبيع السعودي مع إيران، سيجعل طهران أكثر مقاومة للضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها عليها الولايات المتحدة، لحملها على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. وكل انفتاح إقليمي على إيران لن ينزل برداً وسلاماً على قلب صناع القرار السياسي في واشنطن.
والاهتمام الصيني بالخليج ليس منطلقه التنافس مع الولايات المتحدة، بل يستند إلى حقيقة أن الصين تعتمد اعتمادا كبيراً في مواردها من الطاقة على الدول الخليجية. وبناء عليه، من مصلحتها أن تعبر "مبادرة الحزام والطريق" في منطقة مستقرة ومتصالحة. والصين هي الشريك التجاري الأول للدول الخليجية العربية وإيران. وكان هذا من العوامل الرئيسية التي جعلت الصين قادرة على التحدث إلى الجميع.
في المقام الأول لا ريب في أن دول المنطقة نفسها تعبت من النزاعات. وما ينطبق على السعودية في اليمن ينطبق أيضاً على إيران المتعبة من العقوبات الاقتصادية الأميركية ومن وضع معيشي صعب، وجد متنفساً في الاحتجاجات التي تفجرت مع وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في مركز للشرطة في سبتمبر الماضي.
إعداد: وفاء هاني عمر