هل يجب أن تهدف الجامعات للربح؟ - محمد زهران - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 7:15 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل يجب أن تهدف الجامعات للربح؟

نشر فى : السبت 15 أبريل 2017 - 10:25 م | آخر تحديث : السبت 15 أبريل 2017 - 10:25 م
في عام 1884 كانت عائلة أمريكية صغيرة من أب وأم وإبن في رحلة إلى إيطاليا وهناك أصيب الصبي الذي كان في الخامسة عشر من العمر بالتيفود ومات، إلي هنا فالقصة حزينة ولكنها تحدث، لكن هذه العائلة قررت شيئاً ... الأب كان واسع الثراء فقرر هو وزوجته أنه وقد فقدوا إبنهم الوحيد فليكن كل أبناء الولاية التي يسكنون بها أبنائهم وقرروا تخليد إسم إبنهم ببناء جامعة لأهل ولاية كاليفورنيا التي يعيشون بها وأطلقوا إسم إبنهم عليها ... وبعد دراسات وعمليات بناء استغرقت 6 سنوات تم إفتتاح الجامعة في 1 أكتوبر عام 1891 والتي سميت علي إسم الإبن ليلاند ستانفورد (Leland Jr. Stanford) وهي جامعة ستانفورد الشهيرة أحد أهم وأكبر جامعات العالم وتصنيفها لم يتجاوز الثلاث جامعات الأوائل في أي تخصص، وإذا أسعدك الحظ وحصلت على شهادتك الجامعية من هناك ستجد إسم الجامعة كاملاً على شهادتك (Leland Jr. Stanford University) ... هى جامعة خاصة كما هو واضح، فهل تهدف للربح؟ وهل من العيب أن تهدف للربح؟

الجامعات تنقسم إما جامعات خاصة (مشروع ممول من رجال أعمال أو شركات مثلاً) أو جامعات حكومية (تحصل على تمويل من الحكومة) ... أيهما تعتقد أنه يجب أن يبحث عن الربح؟ أعتقد أن كليهما يجب أن يبحث عن الربح ... قد تقول أن الجامعة هى محراب العلم والعلم أسمى من أن ينجرف إلى التجارة ... أتفق مع الجزء الأول من هذه العبارة ولا أتفق مع الجزء الثاني وبقية المقال هو مناقشة هذا الجزء الثاني.

أولاً الجزء الثاني من العبارة يفترض أن التجارة شئ سيئ وهو ليس كذلك ما لم يداخله فساد، فلو أن أى جامعة أنجحت كل طلابها مثلاً لأنهم يدفعون المصاريف فذلك سيئ و هذا ما لا نقصده بالتجارة.

ثانياً الجامعة هى مؤسسة تعليمية وبحثية ولكي تؤدى مهمتها لابد لها من معامل متقدمة وأساتذة متفرغين للتدريس والبحث العلمي وإداريين إلخ كل ذلك يحتاج مصاريف وهذا يستلزم الحصول على المال، في أمريكا مثلاً حتى الجامعات الحكومية تسعى للحصول على المال بالإضافة إلى ما تحصل عليه من الحكومة لأن ذلك يساعدها على تحسين العملية التعليمية والبحثية... فما هي طرق الحصول على دعم؟

مصاريف الدراسة للطلاب يجب ألا تكون المصدر الأساسي للربح خاصة في الدول النامية حيث من يدفع الكثير يفترض ضمنياً أنه سينجح "بفلوسه"، يجب أن تكون هناك مصاريف بالطبع ويعفى من المصاريف الطلبة المتفوقين ... فإذا لم تكن المصاريف هى المصدر الرئيسي للدخل فماذا إذا؟

الجامعة جزء من المجتمع والجامعة هى مصدر خبرات من الرسائل والأبحاث العلمية التي تنتجها الجامعة وكذلك خبرة الأساتذة، فماذا لو أنشأت الجامعات بيوت خبرة ولجان استشارية تقدم الخبرة للشركات؟ هذا سيكون مصدراً جيداً للدخل ومساعدة للشركات وتطبيق للأبحاث بدلاً من أن تعلوها الأتربة في الأدراج.

من خلال دراستي وتدريسي في الجامعات في أمريكا وجدت أن كل جامعة تنمي داخل طلابها الإنتماء الشديد لهذه الجامعة مثلها مثل الأندية الكروية عندنا في مصر، هذا الإنتماء تظهر أثاره بعد ذلك حين يتخرج هؤلاء الطلاب ويدخلون سوق العمل حيث يبدأون فى التبرع لجامعتهم من باب الشعور بالإنتماء ولا يهم صغر أو كبر المبلغ ولكن عدد الخريجين هو العامل الأساسي ومنهم من أصبح يكسب الكثير و يتبرع أيضاً للجامعة بالكثير، أذكر أن جامعتي التي حصلت منها على الدكتوراه جمعت ما يقرب من مليار دولار في مدة قصيرة من خريجيها ... يوجد من تخرج من الجامعة من خمسين عاماً و مازال يتبرع لها! تنمية الإنتماء للجامعة (عن طريق جمعية للخريجين، وضع أسماء من يتبرع بمبالغ كبيرة في لوحة معينة، عمل جريدة لأخبار الجامعة والخريجين تجعل الخريجين على صلة بالجامعة، ...) هو استثمار طويل الأمد.

من المهام الرئيسية لرئيس الجامعة في أمريكا هو الحصول على دعم لجامعته عن طريق مخاطبة رجال الأعمال والشركات الكبرى للتبرع للجامعة.

الأبحاث الجامعية من الممكن أن ينتج عنها منتجات مفيدة، الجامعة من الممكن أن تنشئ شركات أو تساعد الطلبة والأساتذة (عن طريق الدعم القانوني وإعطاء مكان للشركة) على إنشاء شركات لهذه المنتجات وتكون للجامعة أسهم فيها.

بعض الجامعات تكون لها دار نشر خاصة بها تنشر كتباً متنوعة وليست فقط كتباً دراسية ومن أمثلة هذه الجامعات: معهد ماساشوستس للتكنولوجيا (MIT) وجامعة كولوبيا (Columbia University) وجامعة برينستون (Princeton University) وجامعة نيويورك (NYU).

هذه كلها أفكار وأنا واثق أنه هناك الكثير من الأفكار المبتكرة التى تجلب الدعم المادي للجامعات وبالتالي تنهض بالعملية التعليمية والبحثية ... فهل التجارة عيب؟
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات