ينجو البعض من أطفالنا من مناهجنا التى أقل ما يقال عنها إنها قديمة، متحجرة وبعيدة عن الواقع أيضا، وبالإضافة لذلك مسيسة حتى آخر حرف. ينفذ منها البعض الذى يعمل خارج إطار المناهج ويرحل بعدها إلى مدارس وجامعات حقيقية مهما اختلفنا أو اتفقنا معها إلا أنها قادرة حتما على أن تسمح بفتح نوافذ عدة مهما اختلفت سياسات الجامعة والبلد.
يبرز موضوع التعليم الآن والسنة الدراسية على وشك الانتهاء وهناك آلاف إن لم يكن ملايين الطلاب العرب الذين لن يستطيعوا أن يقدموا هذه الامتحانات لأنهم باختصار أطفال الحروب والنزاعات وشبابها أيضا. فيما شريحة أخرى تعتبر التعليم إما غير ذات أهمية أو إنها وسيلة لصناعة الثروة.
وبين هذا وذاك ضاع جيل كامل لن نستطيع تعويضه بسهولة وسيساهم حتما فى تأخرنا أكثر مما نحن فيه من تأخر وتحجر وتزمت.
***
يعتقد البعض الآن أن بعض أطفالنا سيضيعون فى عوالم الغيب والتكفير لأنهم ولظروف خارجه عنهم أصبحوا ضمن سيطرة جماعة هنا وأخرى هناك ليس أولها داعش ولا آخرها النصرة. فى الواقع أن مناهجنا قد اصابها التصدع منذ سنين عدة لا بفعل الدين ولكن ربما بفعل تزاوج الدين مع الدولة فى أحيانا كثيرة كوسيلة للسيطرة أو الهيمنة وسلب إرادة الشعوب. أو ربما نتيجة أن التعليم عندنا لا يحصل على ربع ميزانيات التسلح وجمع أحدث الأسلحة المتطورة أهم من تطوير المناهج وخلق مدارس صديقة وتدريب المعلمين حيث إن الواقع أثبت أن المعلم والمعلمة أصبحا أحيانا أدوات لتيارات شديدة التدين إن لم يكن التطرف، ولذلك فسهل عليها تحوير المناهج لما يناسب فكرها وتنظيماتها. ثم كان أيضا أن تتحول وزارة التربية والتعليم إلى يد العسكر أحيانا وها الآخر ساهم فى دمارها أو أن يكون وزير التعليم لا يفقه فى التعليم وأهميته ويعتبر منصبه سياسيا بحتا لا تربويا.
كانت هذه الوزارات المختصة تسمى وزارة التربية والتعليم بمعنى أن عليها دورا تربويا موازيا تماما للدور التعليمى وكان هناك عتب ونقد مستمرين؛ لأنها أحيانا ركزت على التلقين فى التعليم وأسقطت التربية أصلا عندما أصبحت المهنة لكل من لا مهنة له حيث يكون المدرس والمدرسة بحاجة لبعض التربية قبل منحهم الحرية للدخول إلى عقول الصغار واختراقها ونسج ما يريدون من خيوط العنكبوت والأفكار التى ترفض الآخر، تحتقره أو تنفى وجوده أصلا أو بقائه معها فى نفس المجتمع.
لم يعد التلقين هو عيب سياساتنا التعليمية أو الكتب المنحازه لفصيل أو حقبة تاريخية أو عائلة أو قبيلة أو مذهب أو عرق بل أصبح الشرخ أعمق والأشكال فى المناهج أكبر، فكيف يستطيع جاهل أو محدود المعرفة أن ينشر العلم والمعرفة عبر مناهج منفتحة على حضارات الانسانية أينما كانت؟ كيف حولنا مدارسنا إلى مزارع منفصلة متقطعة الأوصال تدرس على أمزجة وأهواء القائمين عليها دون كثير من الرقابة. استمعوا لروايات الأطفال عن المعلمين والمعلمات وستعرفون كم الجهل المعشش فى زوايا المدارس وكم أن جدرانها لم تتحول إلى لوحات للفرح والانفتاح على الحياة بل للغيبيات والظلمات واللهجة على الموت.
***
يشتكى الكثير من المعلمين والمعلمات وليس المربين والمربيات كما كانوا من جيل بلا اخلاق واحترام ويبقى السؤال المعلق عند أسوار المدن: لماذا هذا الجيل دون قيم وأخلاق فيما يقضى الطالب والطالبة نصف أو أكثر من أيامهم فى المدرسة؟ إذن فانعدام القيم والمثل والشخصيات القدوة سببه أيضا أساليبنا فى التعليم وغيرها من تصرفات المعلمين الذين فقدوا معايير التربية الحقة فى مجتمعات تحولت إلى شبه مسخ.
ستأتى مرحلة وسيكون علينا أن نعمل بجهد مضاعف لإخفاء وطمس آثار سنوات طوال من سوء العلم والتعليم وقلة التربية أو انعدامها، بالإضافة للآثار النفسية للحروب والنزاعات التى طمست ما تبقى من بعض تعليم.