من الدولة العميقة إلى الدولة القبيحة تمضى مصر بعد عملية سطو مسلح ناجحة على مفاتيح القيادة فيها، لتنحدر بأقصى سرعة إلى قاع البلادة والبداوة وتستقر تحت نعل البيادة.
إننا نسىء كثيرا إلى مفهوم «الانقلاب» حين نصف هذا الذى جرى خلال الـ٤٨ ساعة الماضية بأنه انقلاب أبيض أو ناعم أو أنيق، ذلك أن يوليو ١٩٥٢ بدأ «انقلابا عسكريا» بالمعنى الكامل لهذه العبارة وكما تحدث عنه خالد محيى الدين فى مذكراته، غير أن انقلاب يوليو تحول فيما بعد إلى ثورة عندما وجد حماية والتفافا شعبيا حوله.
أما ما جرى بعد يناير ٢٠١١ فهو عملية سرقة بالإكراه لثورة شعب طيب وحسن النية إلى درجة الغفلة، وضع مفاتيح ثورته فى يد أول من ادعى خبرته بالقيادة، ليفيق الجميع بعد عام ونصف العام على صدمة أن القائد تلاعب فى أوراق ملكية ما يقود، وكتبها باسمه وأعلن نفسه مالكا وحيدا لها، ومن يعترض ليس أمامه إلا تسجيل اعتراضه تحت جنزير مدرعة أو الشرب من بحر الضبطية القضائية.
وإذا كان انقلاب يوليو قد تم بالمدرعات والمصفحات، فإن ما حدث فى يناير شهد تغييرا جذريا فى الأدوات والوسائل، فكانت منصة القضاء بديلا لكابينة المدرعة، وحل فقهاء القانون محل عساكر الفرسان، فيما لعب معظم الإعلاميين والمثقفين دور المدفعية الثقيلة التى قصفت الوعى المتدنى أصلا بأحط أنواع القذائف، وأخطر العبوات الناسفة للضمير والحس الإنسانى.
غير أن هذا كله لا يعفى خندق الثورة من المسئولية عن النكسة، فقد سيق الجميع كالأغنام للذبح بلا أدنى مقاومة، ولم يستمع أحد منهم إلى التحذيرات وحكايات الثور الأبيض وأقرانه، ففى البداية استفرد القائد الذى استولى على مفاتيح الثورة بالقوى المدنية فصفق له الإسلاميون تحت وهم أنه قد خلا لهم وجه «العسكرى» وصاروا على الحجر، ثم انقلبت الآية واستدار على الإسلاميين فسقط مدعو المدنية فى الغواية ذاتها مصفقين ومهللين لبطشه بهم، ظنا منهم بأنه قد جاء وقتهم، وبعد أن ابتلع الطرفين، كشر عن أنيابه والتهم البلد كله فى قضمة واحدة.
وفى وضع كارثى مثل هذا الذى وضعنا فيه «العسكر» الكل خاسر، ومن ثم تصبح حفلات الشماتة المنصوبة فى الإخوان استمرارا لحالة الانتحار الأخلاقى التى تمارسها بعض القوى السياسية التى ارتضت لنفسها دور قرود تلهو وتتقافز فى سلاسلها على إيقاع طبلة «العسكرى»، وتزهو بتقديم كوميديا فضائية موجهة ثقيلة الظل، وفى ذلك بلغ الزيف والتدليس بصحيفة حكومية أن تنشر إعلانا أمس يستخدم أسماء الدكتور يوسف القرضاوى والشيخ الشعراوى وعباس العقاد وطه حسين ومحمد التابعى فى الدعاية لصالح جنرال العسكر ضد مرشح الإخوان، الذى شئت أم أبيت هو أقرب للثورة من خصمها الواضح الصريح.
لكن هذا كله لا يعنى أن الثورة ماتت واستقرت تحت الثرى، هى انتكست وتلقت ضربة موجعة، لم تقصم ظهرها بشكل كامل، وبالتالى حان وقت استئناف الكفاح الجدى من أجل مصر المدنية، غير الدينية وغير العسكرية بالقدر ذاته.
انزلوا من بيوتكم.. انزلوا من «تويتر» أيها السادة!