ولما كان الشهر الستون من مسيرة الدكتور أحمد نظيف الظافرة، وبينما الرجل يقف محدقا فى هرم إنجازاته الكبيرة، جاء عادل حمودة «الفجر» وسكب البنزين تحت قدميه وأشعل حريقا هائلا فى سمعة رئيس الوزراء السياسية وذمته المالية، وما هى إلا ساعات حتى جاء مصطفى بكرى «الأسبوع» وألقى بكثير من الزيت على النار، وتبعهما سعيد عبدالخالق «الوفد»، حتى انتشر الحريق وامتدت ألسنة النار إلى كل شبر فى ثوب الحكومة المهلهل.
وبصرف النظر عن أن نظيف كان قبل شهور قلائل فى نظر البعض مثال الإنسان الشريف الشفاف المخلص الوفى المؤمن بربه الرافض لبعثرة المال فى مشاطرته الأحزان على رحيل زوجته.. ثم تحول بين عشية وضحاها إلى متهم بالفساد المالى والسياسى، بصرف النظر عن هذه الملاحظة العابرة فإن ما يلفت النظر أكثر هو اندلاع حريق جامعة الدكتور نظيف الخاصة بثلاثة أماكن فى توقيت واحد، فضلا عن أن التوقيت نفسه مثير للانتباه، عشية مغادرة الرئيس مبارك إلى واشنطن، بجانب أن حزمة المستندات المستخدمة فى كشف واقعة فساد مزلزلة واحدة، بما يوحى بأننا أمام عملية خاطفة لحرق الدكتور نظيف وتشييعه فى غضون الأسابيع المقبلة، وهى أسابيع حافلة بأحداث ساخنة على مستوى إعادة بناء الحزب الوطنى، وما يستتبع ذلك من تغييرات جذرية فى تشكيلة الحكومة.
وبعيدا عن الأمر ربما لا يخلو من غبار معارك وصراعات بين الجامعة الخاصة، فإن المثير حقا هنا هو صمت الدكتور نظيف والحكومة أمام قضية يكفى سطر واحد منها لو كان صحيحا لإسقاط حكومات قارة بأسرها، ودفع عشرة وزراء على الأقل للانتحار فى دولة متخلفة مثل اليابان التى لاتزال تعيش أوهام طهارة اليد ونظافة الثوب ونزاهة المسئول وعفة الحاكم وتعففه عن مد يده إلى المال العام.
إننا أمام عملية فساد أسطورية الحجم، فوفق الاتهامات المنشورة يكون رئيس الوزراء قد استغل منصبه فى الاستيلاء على 127 فدانا تزيد قيمتها على المليار جنيه لإنشاء جامعة النيل الخاصة وتتبع جمعية أهلية يرأسها الدكتور نظيف شخصيا، ومن ثم فإن صمت الدكتور أحمد نظيف أمام هذا الطوفان من الاتهامات يبدو غريبا ومثيرا للهواجس والأسئلة الساخنة.. وكان حريا برئيس الوزراء أن يسارع هو إلى النائب العام مطالبا بفتح تحقيق فورى فى هذه الاتهامات، بل كان عليه أن يعلن للرأى العام استقالته من منصبه ويتفرغ لمواجهة الاتهامات التى طالت سمعته السياسية والأخلاقية، وإذا نجح فى إثبات براءته وطهارة يده سأخرج إلى الشارع على رأس مظاهرة سلمية تطالب ببقاء نظيف رئيسا للحكومة مدى الحياة.
أما أن يحتفظ السيد رئيس الوزراء بصمته وهدوئه بينما النار تحرق أصابع قدميه فهذا ما لا يصدقه «عكل» مع شديد الاعتذار للسيدة شويكار.
نحن أمام اتهام يمس سمعة النظام السياسى كله، فقائمة المتهمين تشمل إلى جانب رئيس الحكومة وزارات الإسكان والمالية والاتصالات، ولذلك فإن الصمت هنا جريمة لا تقل فداحة عن الواقعة موضوع الاتهامات لو صحت.
تكلم يا دكتور نظيف.. أو ارحل.