انزل يوم ٢٤ أغسطس لكى تضع يدك فى يد المفاخرين بعميق صلاتهم بكبار القادة الصهاينة.. انزل لتتظاهر تحت لواء صنف نادر من مقاولى «الوطنية الجديدة» يعتبر شخصا مثل سمير جعجع مثلا أعلى ويخاطبه بكلمة «سيدنا» وهو الذى تحالف مع الاحتلال الإسرائيلى للبنان وقاد مجزرة صبرا وشاتيلا التى راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف شهيد من رجال المقاومة فى مخيمات لبنان عام ١٩٨٢.. تلك المذبحة التى سجلت كواحدة من أبشع الجرائم فى تاريخ الحروب الاستعمارية، وبعدها خرج جعجع يختال بخيانته ويده فى يد السفاح إرييل شارون وزير الدفاع الصهيونى فى ذلك الوقت، ورئيس الوزراء السابق الذى يرقد لا هو ميت ولا هو حى لكى يرى الله فيه الناس عجائب قدرته.
انزل يوم ٢٤ يناير لتشارك فى «الثورة» لكن أرجوك قبل أن تنزل حاول أن تقلب فى الأرشيف وتستخدم أى محرك للبحث لتطالع بعض ما سجله التاريخ عن بطولات سمير جعجع العسكرية خدمة للاحتلال الصهيونى، لكى تعرف المزيد عن أولئك الذين يدعونك للنزول والتظاهر بعد العيد.. وعلى رأس هؤلاء الشاب الصاعد الواعد المتوعد حامل راية «الدولة العكاشية» محمد أبوحامد الذى وقف فى نهاية مارس الماضى بين يدى قاتل محترف أدين بالعمالة للاحتلال الإسرائيلى لكى يلقى فيه قصيدة شعر صلعاء يصف فيها جعجع بأنه «رمز الثورة والصمود» ثم يقول له «شكرا سيدنا.. لقد ألهمتنا».
وهذا هو زعيم ثورة ٢٤ أغسطس الوطنية التى أنت مدعو للمشاركة فيها، وتلك هى المنطلقات الفكرية والأيديولوجية لواحد من أبرز الداعين إليها.. بئست الدعوة وما أتعسه من داع.
غير أنك لا تعدم أسبابا أخرى تحثك على النزول والمشاركة، فإن لم يقنعك منطق الشاب أبوحامد، يمكن المشاركة تأسيا بأفكار ومبادئ العلامة الدكتور توفيق، رمز الوطنية المصرية المهندسة وراثيا، تماما على طريقة الموز والخيار والفراولة الإسرائيلية، الذى يعترف بملء الفم وعلى الهواء مباشرة بأنه تربطه صلات بقادة إسرائيليين، وقد مشى بأقدامه على أرض إسرائيل فى زيارات متعددة، ولا يخجل من الإقرار بأن الأراضى الفلسطينية المحتلة من حق اليهود، وليس للمسلمين فى القدس إلا زيارة المسجد الأقصى.. إن بعض من يفكرون فى المشاركة فى مظاهرات يوم ٢٤ أغسطس المقبل ربما لديهم أسباب أخرى بريئة للنزول، غير أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل أن الأصل فى هذه الدعوة أن مصدرها بقايا مهاويس المخلوع السجين، وعاشقى تراب البيادة، ومن تبقى من أنفار حملة الجنرال الفار.
ولا يجادل أحد فى أن التظاهر دفاعا عن الحريات، ورفضا لمنطق المصادرة، وتصديا للتسلط والإقصاء والتهميش، هو عمل مشروع، بل إنه نبيل ومطلوب وواجب، لكن هذه المعانى والقيم المحترمة لا يمكن أن تلتقى بحال من الأحوال مع مبادئ وأهداف وشعارات أخرى آتية من مناطق شديدة العتمة والعطن فى أحراش السياسة.