على الرغم من انغماس الدول الكبرى والقوى الإقليمية والحكومات العربية المؤثرة فى تحديد مواقفها وسياساتها إزاء «الحرب الجديدة على الإرهاب» وإزاء الصراعات الأهلية المستعرة فى العراق وسوريا واليمن وليبيا ومن المواجهة المستمرة فى بلدان عربية أخرى بين قديم سلطوى مسيطر أو تعاد إليه السيطرة وبين جديد ديمقراطى يتكالب عليه أو يتعثر أو يحاصر، إلا أن القضية الفلسطينية التى همشت بقسوة خلال السنوات الماضية تنفتح أمامها بعض السبل الجديدة للتحرك الإيجابى عالميا وإقليميا والضغط على سلطة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية.
فمن جهة، رتب عدوان إسرائيل الوحشى على غزة فى صيف 2014 وجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية تصاعد التعاطف العالمى مع الشعب الفلسطينى وأعاد إلى الواجهة مطالبه العادلة المتمثلة فى حق تقرير المصير والاستقلال الوطنى وبناء الدولة ووقف الإجرام الاستيطانى فى القدس والضفة الغربية وتناقضت هنا مشاهد المظاهرات الحاشدة فى العواصم الأوروبية والفاعلية المتزايدة لمبادرات المقاطعة الشاملة لإسرائيل التى أحيتها منظمات حقوقية وجمعيات أهلية وتجمعات أكاديمية فى أمريكا الشمالية وأوروبا والأنشطة الإغاثية والتضامنية مع انسحاب الشارع فى البلدان العربية بعيدا عن الاهتمام بالشأن الفلسطينى وتهافت النقاش الإعلامى فى أكثر من عاصمة عربية خلط بها بين المواقف السياسية من حركة حماس وغيرها من الفصائل وبين الالتزام المبدئى بالانتصار للمطالب الفلسطينية العادلة.
من جهة ثانية، أوجدت عودة التعاطف مع الشعب الفلسطينى ومطالبه العادلة بعد عدوان إسرائيل الأخير على غزة فى أكثر من دولة فى الغرب الأمريكى والأوروبى بيئة مواتية لحشد الدعم الاقتصادى والمالى لإعادة إعمار غزة، وتواكب ذلك مع تأييد عالمى واسع امتد من حكومات أمريكا اللاتينية إلى القارتين الأفريقية والآسيوية والمواقف الرسمية الروسية والصينية ومن المجتمع المدنى والجامعات فى الغرب إلى مصالح اقتصادية ومالية كبرى.
من جهة ثالثة، شجع تماسك حكومة الوفاق الفلسطينية ونجاح السلطة فى رام الله وحركة حماس والفصائل الأخرى فى غزة فى تجاوز تحديات البداية ومحاولات إسرائيل لإفشال الحكومة الجديدة بعض الحكومات والمؤسسات الرسمية الغربية على التعبير العلنى عن تضامنها مع المطالب الفلسطينية العادلة. ويأتى فى هذه الخانة الاعتراف الرمزى بالدولة الفلسطينية من قبل البرلمان البريطانى، وحكومات ومؤسسات رسمية أخرى للضغط على إسرائيل لوقف الإجرام الاستيطانى.
من جهة رابعة، انفتحت دبلوماسيات عربية رئيسية، ومصر فى المقدمة منها، على دعم جهود إعادة إعمار غزة وشجعها الوفاق الفلسطينى على التجاوز الجزئى لمواقفها الرافضة لحماس وغيرها من الفصائل. وساعد على ذلك أيضا إدراك الحكم فى مصر، وحكومات عواصم عربية أخرى، بعد وقف العدوان الإسرائيلى الأخير على غزة استحالة اختفاء حماس وكونها هى وحلفاؤها مرشحين للاستمرار فى التأثير على الشأن الفلسطينى وهو ذات الأمر الذى يبدو أن إسرائيل تدركه اليوم بصيغة استحالة الحل العسكرى.
يصبح، إذن، صانع القرار الفلسطينى فى رام الله وغزة فى معية ساحات دولية تعاود انفتاحها عليه، وينبغى أن يوظفها بسرعة فى اتجاه الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية لتعقب مجرمى الحرب الإسرائيليين وحصد المزيد من الاعتراف الدولى بفلسطين. ويصبح كذلك مع بيئة دولية وإقليمية تتحرك فى اتجاه الضغط على إسرائيل لوقف الإجرام الاستيطانى، وعليه هنا أن يتحرك بسرعة للبناء على جهود إعادة الإعمار، والأهم إعادة التفكير فى السبل السلمية الأمثل لانتزاع تقرير المصير بعيدا عن العودة إلى عبث أوسلو التفاوضى.
غدًا هامش جديد للديمقراطية فى مصر