تحت عنوان «كورونا.. وخطة الحكومة للموجة الثانية»، كتب صاحب هذه السطور قبل أسابيع، ينتقد تراخى الحكومة فى اتخاذ إجراءات صارمة تُحد من انتشار فيروس كورونا فى ظل تصاعد أرقام الإصابات والوفيات وبلوغها حد الخطر، ما عرَّض منظومتنا الصحية إلى هزة شديدة لعدم قدرتها على تحمل كل تلك الأعداد.
كتبت ما كتبت باعتبارى مواطنا وصحفيا يعتقد أن الحكومة قصرت فى أداء واجبها ولم تتخذ قرارات تحافظ على حياة المواطنين.
هذا المواطن الصحفى له صفة أخرى تضعه فى مرتبة المسئول، وبحكم موقعه كعضو مجلس نقابة الصحفيين شارك زملاءه أعضاء المجلس فى مخاطبة الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، لطلب فتوى عن إمكانية انعقاد الجمعية العمومية للنقابة فى موعدها فى مارس المقبل، فى ظل انتشار كورونا وما قد يترتب عليه من تعرض عدد من زملائنا للإصابة.
القرار الذى اُتخذ بإجماع أعضاء مجلس «الصحفيين» خلال اجتماعه الأخير، جاء بعد مناقشة مستفيضة لكيفية انعقاد الجمعية العمومية، أى وجود نحو 5000 صحفى فى الدعوة الأولى أو 2500 صحفى بعد أسبوعين فى حال عدم اكتمال الجمعية فى المرة الأولى، ما يعنى أن هذا العدد سيتواجد فى مساحة لا تزيد على 3000 متر مربع هى إجمالى مساحة أدوار النقابة بعد خصم مساحات المكاتب والخدمات، يضاف إلى هذا العدد الموظفون وأعضاء اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات وأنصار المرشحين الذين لا يبارحون مقر النقابة إلا بعد إعلان نتائج انتخابات التجديد النصفى التى تشمل النقيب و6 أعضاء.
للأسف مبنى نقابتنا ــ وكما يعلم كل من تردد عليه ــ سيئ التهوية، ويعتمد على أجهزة التكييف المركزى التى أشارت الدراسات إلى أنها مصدر للعدوى، وعليه فإن هذا التجمع الذى لن يخلو من مصابين لا تظهر عليهم الأعراض فى هذا المقر المغلق أقرب إلى حفلة انتحار جماعى.
بعيدا عما نرصده على صفحات التواصل الاجتماعى من إصابات ووفيات يومية، ومن خلال إحصاء موثق، تعرض خلال الشهرين الماضيين أكثر من 200 صحفى للإصابة بكورونا غير أسرهم، فضلا عن 11 زميلا توفاهم الله إثر مضاعفات إصاباتهم.
تلك الأعداد الصادمة التى يعلمها أعضاء مجلس النقابة مما يرد إليهم من طلبات أشعة وتحاليل ومسحات تستقبلها لجنة الرعاية الصحية يوميا، مفزعة وتدعو كل مسئول وصاحب عقل إلى إعادة النظر فى حشر الزملاء فى تلك المهلكة.
بناء على المعطيات التى طرحت على اجتماع مجلس النقابة الأخير، كان أعضاء المجلس أمام خيارين، إما الدعوة إلى الجمعية العمومية فى موعدها وتحمل مسئولية تعريض صحة وحياة الزملاء للخطر، أو إصدار قرار بتأجيل الجمعية عدة شهور، فى القرار الأول سيصبح هذا المجلس متهما أمام الله والتاريخ وجموع الصحفيين بالمسئولية عن إصابة زملاء بل وقتل آخرين مع سبق الإصرار والترصد، وفى القرار الثانى «التأجيل» سيتهمنا البعض بأننا مُغرضون نسعى إلى تمديد مدة مجلسنا، حتى طرح الزميل خالد ميرى وكيل النقابة حلا ثالثا يعفينا من تبعات الخيارين السابقين وهو الرجوع إلى مجلس الدولة لطلب الفتوى بإمكانية عقد الجمعية العمومية فى ظل الظروف الحالية.
منتصف العام الماضى أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمين فى دعويين، الأولى بوقف تنفيذ قرار نقيب اتحاد كتاب مصر بعقد جمعية عمومية وانتخابات تجديد نصفى للاتحاد، والثانية بتأييد قرار نقيب أطباء الأسنان بتأجيل انتخابات التجديد النصفى لـ«أطباء الأسنان».
وبعد أن عرضت المحكمة حيثيات حكمها بتأجيل الجمعيتين العموميتين توافقا مع قرارات رئيس الوزراء التى تمنع الفعاليات التى تتطلب تواجد أية تجمعات كبيرة للمواطنين، أكدت المحكمة أن الحياة الإنسانية هى أغلى ما يمكن للحكومات والدول والمجتمعات الحفاظ عليه، «حفظ النفس يعد أولى مقاصد الشريعة، وسابقا على حفظ الدين، درءا لأية تداعيات محتملة».
وختمت المحكمة حيثياتها بعبارة بليغة جاء فيها: «ولئن كانت الحياة الديمقراطية السليمة توجب إجراء الانتخابات فى موعدها القانونى، إلا أن صحة وحياة المواطنين لا يعادلها مقصد آخر».
أخيرا، رسالة إلى الزملاء الذين تقدموا باقتراحات لإجراء الانتخابات بطرق وآليات آخرى، قانون النقابة حدد الموعد والمكان والآلية، وأى تغيير أو اجتهاد يعرض الجمعية والانتخابات للطعن، وعليه نعدكم بأن مجلس النقابة سينفذ ما ستنص عليه فتوى مجلس الدولة، وأن مقصد أعضائه الذين وثقت فيهم الجمعية العمومية هو الحفاظ على حياة الصحفيين، وأذكركم ونفسى، بقاعدة «الواجب والأوجب»، فإذا كان الواجب انعقاد الجمعية فالأوجب هو الحفاظ على حياة أعضائها.
والله من وراء القصد.
عضو مجلس نقابة الصحفيين