1977 مقابل 1979 - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأحد 14 ديسمبر 2025 12:35 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

ما تقييمك لمجموعة المنتخب المصري في كأس العالم برفقة بلجيكا وإيران ونيوزيلندا؟

1977 مقابل 1979

نشر فى : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 8:46 م | آخر تحديث : الثلاثاء 16 فبراير 2010 - 8:46 م

 ذكرتنى زيارتى اليمن ورؤية جماعة صغيرة من الإصلاحيين الشبان يكافحون هناك ضد قوى الانفصال والإسلاموية والأوتوقراطية والإرهاب، بأن القوى الرئيسية، التى تُشكل هذه المنطقة اليوم قد انطلقت بالفعل بين عامى 1977 و1979، ولم يتغير شىء منذ ذلك الحين. وفى حقيقة الأمر، يمكن للمرء أن يقول إن السياسة فى الشرق الأوسط أصبحت اليوم بمثابة صراع بين عامى 1977 و1979 وما زالت 1979 هى الفائزة.

كيف حدث ذلك؟ فى أعقاب هزيمة مصر والجيوش العربية الأخرى على يد إسرائيل فى عام 1967، تحطمت الناصرية، المعروفة كذلك بالقومية العربية، التى كانت الأيديولوجيا الراسخة فى تلك الفترة. وبعد ذلك، ظهر خياران واسعان، أولهما عبر عنه الرئيس المصرى أنور السادات خلال زيارته إلى إسرائيل عام 1977، واستند إلى ربط مستقبل العالم العربى بالغرب والليبرالية الاقتصادية والتحديث وقبول إسرائيل. غير أن ضعف «الساداتية» كان ينبع من كونها أيديولوجيا نخبوية بلا جذور ثقافية. وبالرغم من أن الدولة المصرية أقامت سلاما مع إسرائيل، فإن المجتمعات العربية لم تحذ حذوها قط.

وظهر رد الفعل العربى الإسلامى الآخر فى عام 1979. وكانت نقطة البدء استيلاء متطرفين إسلاميين على المسجد الحرام فى مكة، وهو ما كان بمثابة تهديد لمكانة الأسرة الحاكمة السعودية. ورد الحكام السعوديون على ذلك بعقد صفقة جديدة مع الإسلاميين فى بلدهم مفادها ما يلى: اتركونا نبقى فى الحكم، وسوف نعطيكم حرية مطلقة فى وضع القواعد الاجتماعية وقواعد العلاقات بين الجنسين وقواعد التعليم الدينى فى السعودية وسنعطيكم أيضا الموارد الوفيرة كى تنشروا الأصولية السنية الوهابية فى الخارج.

وتزامن التوجه السعودى نحو الوراء مع الثورة الإيرانية عام 1979، التى جاءت بآية الله الخمينى إلى الحكم. وقد أسست تلك الثورة للتنافس بين إيران الشيعية والسعودية السنية حول من هو القائد الحقيقى للعالم الإسلامى، كما أدت إلى ارتفاع فى أسعار النفط مما مكن كلا من النظامين الأصوليين ــ أكثر من ذى قبل ــ من تصدير علامة الإسلام السلفى الخاصة به عن طريق المساجد والمدارس.

ويقول مأمون فندى، خبير الشرق الأوسط فى المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية فى لندن، «فقد الإسلام كوابحه عام 1979»، ولم يكن هناك فى المقابل تيار معتدل.

وأخيرا، غزا السوفييت أفغانستان أيضا فى 1979. وتوافد المجاهدون العرب والمسلمون للقتال فى سبيل هذه القضية ومولتهم السعودية تنفيذا لأمر أمريكى. وخلال هذه العملية، اتجهت باكستان وأفغانستان لأن تصبحا إسلاميتين بدرجة أكبر. وبمجرد أن هزمت هذه النواة الصلبة من المقاتلين المسلمين بقيادة أسامة بن لادن السوفييت، قامت بتوجيه بنادقها إلى أمريكا وحلفائها من العرب.

وقد لاحظ الدبلوماسى الأمريكى المتقاعد إدوارد جيرجيان ــ الذى ترأس القسم السياسى فى السفارة الأمريكية فى موسكو عام 1979 ــ فى مقال ذكى بعنوان «الميراث التشددى لعام 1979» أنه: «فى العام الماضى احتفلنا بالذكرى العشرين للإنجاز التاريخى العظيم المتعلق بسقوط سور برلين وما تبعه من توحيد ألمانيا. لكننا يجب أن نتذكر أيضا أن الأحداث فى الشرق الأوسط الأوسع خلال الـ30 عاما تركت فى المقابل ميراثا مريرا وخطيرا».

وباختصار، فإن الشرق الأوسط الذى نتعامل معه اليوم يُعد نتاجا للتوجهات طويلة الأمد التى تعود إلى عام 1979. وليس لدينا أوهام، حيث إننا قد دفعنا قدما هذه التوجهات. فقد غضت أمريكا الطرف عن تعزيز السعودية للتوجه الوهابى لديها. ومجد رونالد ريجان المجاهدين الأفغان، فى الوقت الذى أشاد فيه الأوروبيون بثورة الخمينى فى إيران باعتبارها عملا «تحرريا».

واعتقد أن الطريق الوحيد الذى يمكن أن يؤدى إلى تراجع قوى 1979 هو انفجار كبير آخر مساوٍ أى حركة شعبية جديدة إصلاحية وديمقراطية ومنفتحة على العالم بشكل حقيقى، لكنها مع ذلك مرتكزة إلى الثقافة الإسلامية، لا منفصلة عنها. ولعل أفضل ما لدينا من آمال ينصب على التيارات الديمقراطية الهشة فى العراق والثورة الخضراء المترددة فى إيران، إلى جانب الإصلاحيين الشبان ممن يتكسبون المزيد من النضج فى كل بلد عربى. لكن ذلك لن يكون سهلا.

يلاحظ أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الرباط الحسين حداد إنه «لا يوجد لدى الإصلاحيين الشبان اليوم قصة مقنعة لسردها. كما أنهم يواجهون النظريات الإنسانية الكبرى»، التى أسسها فى البداية ناصر، ثم تبناها بعد ذلك الإسلاميون، «التى تحشد الملايين والملايين. وتقول هذه النظريات: «إن العرب والمسلمين ضحايا لمؤامرة إمبريالية صهيونية بمساعدة النظم الرجعية فى العالم العربى. والهدف من هذه المؤامرة بقاء العرب والمسلمين فى حالة تأخر لأجل استغلال ثرواتهم النفطية ومنعهم من أن يصبحوا أقوياء كما كانوا فى العصور الوسطى، لأن ذلك يمثل خطورة على إسرائيل والمصالح الغربية».

واليوم أصبحت ألوان الطيف السياسى العربى والإسلامى، من اليسار العلمانى إلى اليمين الإسلامى، تعتنق النظريات الإنسانية الكبرى. ويتمثل التحدى الذى يواجه هذا الجيل فى هدم هذه القصة، ويستند إعادة بناء خيار ما بعد 1979 إلى المسئولية والتحديث والإصلاح الإسلامى والحوار فيما بين الثقافات. وأظن أن ذلك بالإمكان حدوثه، لكنه يتطلب نجاح الحركات، التى تهدف إلى تحقيق الديمقراطية فى كل من العراق وإيران. وسوف يؤدى ذلك إلى نشأة قصة جديدة كاملة.
أعلم أنه رهان غير مضمون، لكن ما زال لدىّ أمل بشأنه. فقد بت أمضغ الكثير من القات مؤخرا، وهو ما يجعلنى حالما.

New York times syndication

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات