للفيلسوف الألمانى إيمانويل كانت (١٧٢٤ ــ ١٨٠٤) مقولة شهيرة يعرف بها التنوير ــ ذلك التطور التاريخى الذى أخرج المجتمعات الأوروبية من ظلام العصور الوسطى بتحرير العلم من إملاءات الكنائس والمؤسسات الدينية وبالشروع فى تمكين الإنسان من التعبير الحر عن الفكر والرأى وممارسة حرية الاعتقاد والاختيار فى الشئون العامة والخاصة ــ على أنه «تجاوز البشر لوضعية غياب النضج» التى يرتبها خوفهم من «استخدام العقل دون توجيه» أو انعدام قدرتهم على «الإصرار بشجاعة على مواصلة استخدام العقل» فى مواجهة السلطات الدينية والدنيوية.
اليوم فى مصر وبعد ثورة عظيمة أراد الناس من خلالها انتزاع حقهم فى الحرية والمساواة والمواطنة والعدالة وفى الاختيار غير الموجه فى الشئون العامة والخاصة، مازلنا نعانى من محاولات مستمرة لإبعادنا عن حقوقنا وفرض «وضعية غياب النضج» علينا ودفعنا إلى قبول اختيارات الحكام والنافذين والدائرين فى فلكهم دون استخدام مستقل وشجاع للعقل. اليوم فى مصر وعلى الرغم من تركيبتنا السكانية الشابة ومن النزوع الطبيعى للشباب لرفض احتكار الحقيقة إن من قبل سلطات دينية أو دنيوية والتطلع إلى البحث عن بدائل، مازلنا نعانى من محاولات مستمرة لفرض الحقيقة الواحدة والرأى الواحد والموقف الواحد والبطل الواحد على نحو يمتهن العقل ويبتذل المعلومة ويهددنا بعصور ظلام جديدة.
تتواتر الشهادات والتقارير عن انتهاكات للحقوق وللحريات فى أقسام الشرطة والسجون المصرية وتعوق محاولات المنظمات الحقوقية الوصول إلى معلومات محددة بشأن أوضاع المحتجزين / المعتقلين / المسجونين، ووزارة الداخلية تصدر البيانات التى تنفى حدوث انتهاكات أو تعذيب وتنطلق أبواق التبرير وتشويه الوعى الإعلامية لتخوين من يطالب بالتحقيق الجاد وبالمحاسبة العاجلة باسم «حماية الاستقرار» و»الدفاع عن الأجهزة الأمنية» وتقرع طبول «الحرب على الإرهاب» و«لا صوت يعلو» المعتادة لكى لا يستخدم الناس عقلهم باستقلال.
نقترب من الانتخابات الرئاسية ويتصاعد الخوف المشروع من خطر غياب تكافؤ الفرص بين المرشحين بسبب تجيير شبه كامل للماكينة الإعلامية وماكينة المصالح الاقتصادية والمالية والسياسية النافذة للترويج للترشح المحتمل لوزير الدفاع المشير عبدالفتاح السيسى ويتصاعد أيضا القلق المشروع من خطر غياب الحيادية عن دور المؤسسة العسكرية وهى التى تتمتع بوضعية استثنائية فى مصر، ويطلب من المواطنات والمواطنين الامتناع عن استخدام العقل وتصديق أن الانتخابات الرئاسية ستشهد «منافسة مرتفعة» وأن الماكينة الإعلامية وماكينات المصالح الأخرى ستتعامل مع المرشحين المختلفين دون انحيازات أو تفضيلات مسبقة وأن بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن «الرغبة الشعبية لترشح المشير السيسى» لم يكن تدخلا فى السياسة.
يحاط المشير السيسى بهالات البطولة وتحول الماكينة الإعلامية العدد الأكبر من ممارسى السياسة والشخصيات العامة إما إلى مؤيدين لرئاسته القادمة أو إلى جهلاء / خونة / عملاء / أعداء للوطن لا يريدون له الخير وتنطلق أبواق «خدمة السلطان» لتقزيم الشعب (الشعب الذى ثار فى يناير ٢٠١١ وخرج بالملايين فى يونيو ٢٠١٣) إلى مجرد جمع ينتظر الإنقاذ من البطل الواحد، ويطلب من المواطنات والمواطنين التوقف عن استخدام العقل فى مواجهة كارثة تجدد صناعة «الفرعون الإله» وهيستريا التأييد الجماعية (أصوات علماء الدين الذين يشبهون المشير السيسى ووزير الداخلية بالرسل والأصوات الدينية الأخرى التى تعلن عن ذوبها عشقا فى شخص البطل الذى انتظره المصريون والعرب والعالم طويلا) وكذلك فى مواجهة الترويج لمقولات «دنيوية» تسفه من منافسيه المحتملين وتعطل قدرتنا على الاختيار الحر برفع تأييد البطل إلى مصاف الأعمال الوطنية المقدسة، هكذا دون برنامج ودون خطط للعمل ودون ضمانات.
غدا هامش جديد للديمقراطية فى مصر.