ريم سعدعقب الحادث الإرهابى الذى استهدف الأتوبيس السياحى الذى كان يقل السياح الكوريين عند مدينة طابا كان رد الفعل الغالب هو تحميل الداخيلة المسئولية عن الحادث لأن الأتوبيس لم يكن مؤمنا أى لم يكن مصحوبا بحراسة من قوات الشرطة. وتعالت الأصوات التى تطالب بعودة تأمين الشرطة للأفواج السياحية، وهو النظام الذى بدأ مع استهداف السائحين من قبل الجماعات الإرهابية فى التسعينيات، ولم يتوقف بانتهاء تلك الموجة، وإنما استمر حتى انفرط والحمد لله مع أحداث ثورة يناير. للداخلية بالطبع مسئوليتها عن تفاقم الإرهاب ولكن ذلك حديث آخر، المهم أن حصر مسئوليتها فى عدم وجود تأمين مصاحب للأتوبيس هو تشخيص خاطئ كما أن الدعوة إلى عودة نظام تأمين الأفواج السياحية تبالغ فى تقدير قدرة الشرطة على الحماية، وتغفل الآثار السلبية لنظام تأمين الشرطة للسياح.
•••
قضت ظروف عملى البحثى العيش لفترات طويلة فى مناطق مختلفة من صعيد مصر وبخاصة محافظتى قنا وأسوان حيث تتركز المناطق الأثرية الأهم، وذلك منذ منتصف التسعينيات خلال ذروة الأعمال الإرهابية ضد السائحين وضد الشرطة أيضا ولسنوات عديدة بعدها وعاصرت ليس فقط تأثير الأعمال الإرهابية على السياحة ولكن أيضا تأثير عمليات تأمين الشرطة للأفواج السياحية على السائحين وعلى أهالى المناطق التى تعيش على السياحة. باختصار لا دليل لدينا على أن مرافقة الشرطة للسائحين تحميهم، وبالمقابل فإن الأدلة عديدة على السلبيات الشديدة لهذا النظام. فمن ناحية أولى فرضت طريقة تأمين الأفواج السياحية قيودا شديدة على حركة السائحين وحصرت السياحة الممكنة فى شكل السياحة «المعلبة»، حيث يعبأ السائحون فى الباصات ويتجمعون فى أوقات محدودة تقررها الداخلية ثم تسير القافلة (أو ما كان يسمى بالكول) تتقدمها وتعقبها سيارات الشرطة فى خط سير محدد بالأماكن الأثرية الرئيس فقط فلا يسمح للسائحين بحرية الحركة أو الحيد عن خط السير المرسوم أو بالتحرك بحرية دون أن يتبعهم أفراد الشرطة كظلهم. أما السائحون المستقلون ممن لم يكونوا ضمن فوج سياحى فكانت حياتهم أصعب كثيرا إذ كان المرور على الطرق ممنوعا إلا فى صحبة القافلة وصارت ساعات الانتظار عند الكمين حتى تمر القافلة فتصحبهم جزءا من برنامج الرحلة حتى أصبحت زيارة مصر نوعا من التهذيب والإصلاح بدلا من أن تكون رحلة ممتعة. وبالمناسبة فإن تواجد أعداد كبيرة من أفراد الشرطة حول السائح والحراسة المشددة وتقييد الحركة لا يشعر السائح بالأمان بل يشعره بأنه فى زيارة مكان خطير. وإلى جانب التنغيص على السائحين كان لهذا التقييد تأثير سيئ على أماكن عديدة ربما لا تعتبرها الداخلية أو شركات السياحة الكبرى أماكن مهمة لكنها كانت من قبل أماكن مثيرة لاهتمام العديد من الزائرين مثل الأماكن المشهورة بالحرف اليدوية التقليدية، والتى عانى إنتاجها كثيرا من منع السياح من الوصول إليها مثل جراجوس المشهورة بصناعة الفخار المميز ونقادة المشهورة بنسيجها اليدوى. فضلا على ذلك فقد عانى أصحاب المقاهى والمطاعم من تواجد أعداد كبيرة من جنود الشرطة من طواقم الحراسة، والذين يستخدمون تلك الأماكن للانتظار والراحة، وتكررت الشكوى من عدم دفع حساب الطلبات مما شكل عبئا كبيرا على منشآت صغيرة هى فى ظروف صعبة أصلا.
•••
أما الأسباب الأهم والسلبيات الأخطر فهى أن الطريقة المتبعة لتأمين الأفواج السياحية تشكل خطورة حقيقية على حياة السائحين، وذلك لسببين رئيسيين. أولا فى التسعينيات كما هو الآن وبدرجة أكبر فإن الشرطة هى الهدف الرئيس للعمليات الإرهابية بدرجة أكبر من السائحين أنفسهم، لذا فإن قافلة من الأتوبيسات السياحية تتقدمها وتعقبها سيارات شرطة تجعل من الفوج صيدا ثمينا وأكثر إغراء بالمغامرة بعملية كبرى خاصة مع ثبات مواعيد وأماكن اللقاء وخط السير المعلوم. أما المصدر الثانى للخطورة فيتعلق بحوادث الطرق الخاصة بالأتوبيسات السياحية التى زاد عددها بدرجة مخيفة خلال تطبيق نظام الحراسة هذا ــ تأتينا أخبار تلك الحوادث المؤسفة مصحوبة دائما بسبب الحادث وهو السرعة الجنونية ويتم القبض على السائق لو كان ما زال على قيد الحياة. والحقيقة أن السائق فى أغلب الأحوال يكون مظلوما، وقد سمعت شكاوى لا تنتهى من سائقى هذه الأتوبيسات، فمن يحدد السرعة ليس سائق الباص وإنما عربة الشرطة التى تسير فى المقدمة وليس أمامه سوى الامتثال ومجاراة سرعة سيارة الشرطة.
لم ينقض هذا النظام بانقضاء خطر الإرهاب فى التسعينيات واستمر حتى انهار جهاز الشرطة مع أحداث ثورة يناير ولم يخضع لأى عمليات تقويم أو مراجعة رغم سلبياته العديدة وتحوله بالأساس من وسيلة للحماية إلى أداة إضافية اكتسبتها الشرطة للتحكم فى حياة السائحين والمواطنين على السواء. تأمين السائحين أمر مهم للغاية لكن عودة نظام التأمين السابق ليس الحل الأمثل على الأقل حتى يكون لدينا جهاز شرطة نثق فى كفاءته ونطمئن إلى قدرتنا على محاسبته.