ليس أصعب من أن تكون مناهضا لعقوبة الإعدام فى لحظة كالتى يمر بها المجتمع المصرى الآن؛ حيث تسود حالة عنف غير مسبوق تشارك فيه أجهزة الدولة وجماعة الإخوان وجماعات مسلحة أخرى وأفراد بلطجية وجماعات إجرامية تمارس جميع أشكال الترويع وترتكب فيه جرائم دموية بشعة يوميا. فى مقابل ذلك هناك مجتمع قليل الحيلة يتشبث بفكرة الإعدام على أنها الوسيلة السحرية لاستئصال العنف من جذوره والقضاء على جميع الشرور بالضربة القاضية.
لم تطرح مسألة عقوبة الإعدام وجدواها للنقاش العام فى مصر ولم يأخذ المجتمع فرصته فى التفكير الجدى فى جوانبها الإشكالية فظلت فكرة مجردة لا يتطرق أحد إلى تفاصيلها بل وكأن هناك افتراضا ضمنيا أن هذا الموضوع بلا تفاصيل أصلا. هناك أسباب عديدة لأهمية طرح القضية للنقاش. فالإعدام عقوبة فريدة بصفتها تعتمد على سلب الحق فى الحياة، وهى بذلك نهائية لا رجعة فيها أى أنه لا يمكن إعادة الشخص إلى الحياة إذا ما ثبتت براءته لاحقا، وإن كانت شروط العدالة الكاملة والمطلقة صعبة أو مستحيلة التحقيق فى أفضل ظروف الاستقرار، حيث تعمل مؤسسات الدولة وأجهزة إقرار العدالة بكفاءة وشفافية، فما بالك بأوقات كالتى نحن فيها، حيث يغيب الحد الأدنى من أى من هذه الشروط، وحيث ينتشر التلفيق وإهدار الحقوق وحيث التعذيب هو الوسيلة المعتمدة لاستخراج «سيد الأدلة». ويذكر أن الاتجاه العالمى الآن هو إلغاء هذه العقوبة حيث بلغ عدد الدول التى أنهت تلك العقوبة فى القانون أو الممارسة حتى الآن 140 دولة من ضمنها دول عربية وإسلامية مثل الجزائر والمغرب وموريتانيا.
•••
لم يولد العمل على مناهضة عقوبة الإعدام يوم قتل محمود رمضان الذى أدانته المحكمة بقتل أطفال سيدى جابر، فمنذ عهد مبارك لم تنقطع محاولات بعض الأفراد والمجموعات لطرح هذه القضية للنقاش وقد اكتسبت الحركة بعض الزخم مع تأسيس حركة «ضد الإعدام» فى إبريل من العام الماضى لمواكبة حركة الإعدامات بالجملة التى تزايدت وتيرتها وتزايدت أعداد المحكوم عليهم بتلك العقوبة بدرجة مهولة قوبلت بالدهشة والانزعاج من جهات خارجية وداخلية عديدة، إلا أن الجهود الرامية إلى إلغاء العقوبة أو حتى فتح نقاش عاقل حولها قوبلت بنكسة مع تنفيذ حكم الإعدام فى محمود رمضان، فبسبب بشاعة الجريمة وبسبب التركيز الإعلامى عليها على مدى طويل تأثر المجتمع بشدة بتلك القضية وارتبط بها ما نتج عنه ارتياح شديد وتأييد عارم لتنفيذ الحكم، وأصبح من الصعب بل من المستحيل استكمال مناقشة مبدأ عقوبة الإعدام بمعزل عن ملابسات القضية. من الضرورى هنا التأكيد على بديهية أن مناهضى الإعدام هم ضد كل أحكام الإعدام جميعا، يستوى فى ذلك قاتل الأطفال وقاتل شيماء الصباغ وقتلة المتظاهرين سواء كانوا ضباط شرطة أو إخوانا، كما يستوى فى ذلك حسنى مبارك ومحمد مرسى. من الضرورى أيضا التأكيد على أننى لا أعلم إن كان محمود رمضان هو بالفعل قاتل الأطفال، فلست جهة تحقيق وليس لدى من الثقة فى سير التحقيقات ولا إجراءات العدالة ما يمكننى من التصديق على أحكام تلك الأجهزة، ناهيك عن تفويضها بالقتل نيابة عنى.
بقدر صعوبة هذه اللحظة لطرح قضية إلغاء الإعدام بقدر أهميتها القصوى لطرح هذا الموضوع بالذات. فحالة الغضب وفورة الحماس التى تمنع غالبية الناس من المناقشة الهادئة هى نفسها التى تجعلهم فى حالة طلب على المزيد من الإعدامات والتى ستدفعهم إلى مباركة أى تنفيذ إعدام جديد، خاصة لو قدمت حالات أخرى مرتبطة بجرائم شنيعة حظيت باهتمام إعلامى كبير ومنظم. تزداد خطورة المسألة مع وجود مئات الحالات المحكوم عليها والمنتظرة فى طابور الإعدام، ما يعنى أن المجتمع قد يكون مقدما على توريط نفسه فى تحمل مسئولية تاريخية ثقيلة.
•••
نتوجه فى هذه اللحظة إلى المجلس القومى لحقوق الإنسان للقيام بدوره فى التدخل لقيادة الحوار حول قضية الإعدام ولإنقاذ النقاش حول مبدأ العقوبة من اللغط الدائر والاستخدام السياسى من جميع الأطراف حول حالات بعينها. الحقيقة أننا لا نعرف على وجه الدقة موقف المجلس من هذه العقوبة ولو أنه من المفترض أن أى مجلس يحمل هذه الصفة لابد أن يكون بالضرورة مناهضا لهذه العقوبة. على أى الأحوال فعلى المجلس أن يعلن موقفه بوضوح من هذه القضية ومن الممكن، كإجراء مؤقت، وكأضعف الإيمان، أن يتبنى اقتراحا بتعليق العقوبة لفترة كافية تسمح بطرح المسألة للنقاش وتمنع الظروف السياسية المشتعلة أن تكون سببا فى إزهاق المزيد من الأرواح.