أعترف أننى فى ذلك الصباح لم أكن متحمسة لزيارة السيد وزير الصحة لمعهد القلب فقد اعتدنا تلك الزيارات من السادة المسئولين والتى يصر الإعلام المصرى على وصفها بـ«المفاجئة» والتى دائما ما يقاس نجاحها بعدد الجزاءات التى وقعها السيد المسئول على العاملين فى المكان ويا حبذا لو تم رفد رأس المكان وإحالة آخرين لمجالس تأديب.
كانت مظاهر الزيارات المفاجئة بادية رغم أن الزيارة كانت معلنة ومعروفة لنا جميعا: النظافة المطلوبة، أصص الزهور، المخبرون المنتشرون بخريطة أمنية واضحة والأوامر الجازمة بعدم ترك العربات فى أماكنها المعتادة فى الساحة المخصصة لها أمام المعهد. غادرت عربتى بعد أن وجدت لها مكانا يبعد عشر دقائق سيرا على الأقدام: لا بأس وصلت إلى مكتبى وأنا أدعو الله أن تنتهى حالة التأهب الواضحة حتى أتمكن من أداء مهام يومى فى سلام.
إلى هنا وكل شىء يشى بأنها زيارة لا تختلف كثيرا عن زيارات كثيرة سبقت أو اعتدناها لكنه الواقع أن الأمر اختلف حينما دخل السيد الوزير إلى وحدة فحص القلب الشامل التى أتولى الإشراف عليها. اكتشفت فجأة أنه من المطلوب منى أن أتحدث لا أن أنصت كالمعتاد.
أبدى أ.د. خالد عبدالغفار إعجابه بالبرنامج الوقائى الذى تتبعه الوحدة للكشف عن عوامل الخطر فى حياة الإنسان والتى قد تؤدى للإصابة بأمراض القلب والشرايين وأبدى رغبة فى أن تتولى الوزارة لبرنامجنا فى الإعلام لنشر الوعى بمبادئ الوقاية.
وتحمس لعيادة متابعة المرضى المصابين بالجلطات الحادة وما يمكن أن يتم لتطويرها. وأكد رغبة الوزارة فى دعم عيادة ارتفاع ضغط الشريان الرئوى المرتفع والتى تعد الآن مرجعية سواء فى تشخيص أو متابعة وعلاج مرضاها.
الواقع أن حسن إنصات السيد الوزير واستيعابه لكل ما قيل دفعنى أن أنوب عن كل زملائى فى أن أتقدم إليه بطلب نعده أملا لنا: البدء فى العمل على إنشاء مبنى لمعهد القلب القومى يضم كل تخصصاته؛ حيث إننا جميعا نرى أن مبنى المعهد الحالى لا يفى على الإطلاق ولا يستوعب الطاقات البشرية التى يضمها من كوادر طبية وجراحية قادرة على العمل والتجديد والدراسة والبحث.
معهد القلب القومى بحاجة ملحة لإعادة ترتيب أوراقه بالتعاون مع المجتمع المدنى فالواقع أنه رغم الجهد المضنى الذى تبذله إدارته إلا أن إمكانيات الدولة المتاحة بالفعل لن تقوى على دعم الدور المنتظر منه. تم التطوير لكن ما زالت هناك قطع كثيرة مفقودة فى اللوحة العظيمة التى نتمنى أن تكتمل بانتظام العمل وفاعلية الأداء.
يجب أن يحقق التطوير المعادلة الصعبة والتى تتأرجح كفتيها بين تدبير الموارد اللازمة لفاعلية الأداء وحق الإنسان المصرى غير القادر على تدبير نفقات علاجه سواء كان تابعا للتأمين الصحى أو منتظرا للعلاج على نفقة الدولة.
كان الغرض من إنشاء معهد القلب القومى هو تأمين علاج الإنسان المصرى محدود الدخل فهل يصح أن يتراجع هذا المبدأ الآن بعد الزيادة فى عدد السكان ومقدرات المعهد المحدود؟.
ما زالت هناك مشروعات بالغة الأهمية تتعلق بتطوير المعهد ولا يسعها المبنى الحالى رغم التجديدات التى تمت على أساس قديم متواضع.
من أهم تلك المشروعات:
< الاهتمام بتعليم شباب الأطباء فى مراكز عالمية متخصصة ودعوة فرق طبية عالمية للعمل فى المعهد.
< الاهتمام بتعليم الفنيين والممرضات والتأكيد على مستوياتهم فى الأداء والتأكيد على إمكانية دعم مدرسة التمرين بل ومعهد للفنيين تابع للمعهد بكامل هيئته.
< إعادة النظر فى كل القوانين العقيمة التى تقف حائلا بين مريض بحاجة لتدخل جراحى أو علاج سواء كان مريض تأمين أو بيده قرار علاج على نفقة الدولة. أو إنسان قادر ماديا على تحمل نفقات علاجه فى معهد القلب لثقته فى أداء أطبائه.
< تشجيع المجتمع المدنى على بناء شراكة قوية بينه وبين مؤسسة معهد القلب القومى وبداية عمل قومى يسمح ببناء معهد القلب القومى.
< تفعيل مجلس الأوصياء والذى من بين أعضائه وزير الصحة بصفته الوظيفية ومدير الهيئة العامة للمستشفيات ومدير معهد القلب على ألا يقتصر على السادة الأعضاء إنما يسمح فيه بسماع كل الأفكار البناءة لأطباء المعهد والعاملين فيه بلا أى استثناءات كفكر أو شخصية.
الواقع أن الزيارة قد نجحت ربما لأنها جاءت ودية للغاية حرص السيد الوزير أن يكون فيها مستمعا مستوعبا حتى إننى دهشت حينما فوجئت بتلقائية ردوده المشجعة وبدا كأنما كل أفكارنا كانت فى رأسه أثناء الزيارة حتى إنه سألنى عن المكان الذى نقترح فيه بناء المعهد الجديد!
إذا كان ما رأيت وسمعت كان ما يرى النائم فى منامه فرجائى ألا يوقظنى أحد.. حتى أنهض وحدى وعلى الله القصد..