بحسب ما نشره موقع اليوم السابع بتاريخ 10/ 11/ 2018، فى معرض حديث وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى د. طارق شوقى عن مجانية التعليم خلال اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة بالبرلمان حول دعم التعليم الفنى ــ قال الوزير فى نص اعتراضه: «مجانية التعليم تحدد قدرتنا على الحركة، اللى كتب الكلام دا عام 1952 مكنش يعرف أن مصر هيبقى فيها هذا العدد من السكان، إزاى عندنا إصرار نِعلم الخايب والشاطر زى بعض، وأنا بسأل اللى بيتكلموا عن العدالة الاجتماعية فى هذه النقطة، يعنى إيه عدالة اجتماعية، هل أضيع الكل لما أدى للشاطر زى الخايب، لأ أنا مش مع هذا النوع من العدالة ولا مؤمن بيها، فكرة العدالة المبسطة دى فيها ظلم فاحش، ظلم اجتماعى متساوى، فَلَو انتوا عاوزين تصلحوا بجد، لازم تناقشوا هذه الأفكار من جديد». وأضاف الوزير بأن المواطنين تدفع لما يسمى بالسناتر الخاصة مبالغ طائلة، فلم لا تدفعها للدولة؟.
وبحسب ما نشره الموقع ذاته فى اليوم التالى عن نفى وزير التعليم للحديث السابق، أكد وزير التربية والتعليم أنه لم يتطرق لمجانية التعليم وأن كلامه أخرج من سياقه، ولكنه تطرق خلال حديثه فى اجتماع اللجنة حول اقتصاديات التعليم وكيفية تطويره والمضى قدما فى المنظومة الجديدة التى تم وضعها، وأضاف أنه يرغب فى الاستفادة من المبالغ التى تنفقها الدولة على التعليم، وهو مبلغ يفوق 90 مليار جنيه، إضافة إلى ما تنفقه الأسر وهو مبلغ يقدر بنحو 120 مليار جنيه.
فهل هذا يعنى وجود نية لدى مؤسسات الدولة مفادها التخلى عن التعليم المجانى، ليصبح بعدها التعليم سلعة تخضع لقواعد السوق من عرض وطلب، وهو ما تشير إليه سابقة أعمال الحكومة فى تجربة المدارس الخاصة، ومحاولة التخلص من المدارس التجريبية، وهو الأمر الذى سيُخرج الكثير من الفئات الشعبية خارج المعادلة الشرائية لانعدام قدراتهم المادية على الدخول فى أى مستوى تنافسى لشراء المراحل التعليمية المختلفة، وذلك بشكل خاص فى هذه الآونة التى تمر بها حياة المواطنين من ضعف مادى يواصل تصاعده منذ سنوات عديدة، مع ثبات معظم دخول الأسر المصرية، وتحرك أسعار معظم الحاجات الأساسية ومتطلبات الأسر من مواد غذائية أو دوائية، ولكن أن يصل الأمر إلى أن تسعى الدولة إلى دخول المسألة التعليمية كذلك فى هذا السوق، فهو بالبديهة أمرا لن تقدر عليه غالبية الأسر، وستصبح السلعة التعليمية مقصورة على أرباب الدخول المرتفعة، ومن ثم تنحسر العملية التعليمية فى شريحة مجتمعية صغيرة قد لا تمثل عشر عدد سكان المجتمع.
***
وقبل أن أتعرض إلى أهمية التعليم كضرورة مجتمعية ودافعة بكيان الدولة إلى التقدم والرقى اقتداء بسائر بلدان الدنيا، أتوجه بالعديد من التساؤلات المشروعة إلى المسئولين فى الدولة، وبشكل خاص، إلى المعنيين منهم بأمر التعليم، أليست هنالك طرق أخرى بخلاف الخصخصة قد تؤدى إلى تطوير التعليم، وتحسين مستواه؟ وليكن من بينها محاربة تلك الأماكن المخصصة للدروس الخصوصية، وتكون بأسعار فوق المتوسطة أو الغالية، إذ لا يقل سعر الساعة التعليمية عن خمسين جنيها للمادة الواحدة. أليس بإمكان وزارة التعليم مجابهة تلك الظاهرة، ونرفق بها ظاهرة الدروس الخصوصية برمتها؟ وأرى أن الحلول بسيطة جدا فى ذلك وبيد السلطة ذاتها العديد من أدوات أو وسائل الحل، غير التجريمية، لأن تجريم تلقى الدروس الخصوصية، لم يثمر، ولن يُنتج شيئا، سوى المزيد من الدروس الخصوصية من خلال بيوت المدرسين أو الطلاب باختلاف الشرائح المجتمعية، والقيمة النقدية المدفوعة، ألم يدر بتفكير المسئولين محاولة حصار هذه المشكلة أولا، قبل التفكير فى أن تتولى الدولة بذاتها الخصخصة التعليمية، ويبدأ الأمر برفع رواتب المعلمين حسب فئاتهم، وذلك بعد أن تتولى رفع قدراتهم التعليمية، بعقد المزيد من الدورات التدريبية الحقيقية، وليست الصورية، أو إعادة تأهيل صغار المعلمين جامعيا تحت إشراف باحثين وعلماء متخصصين فى ذلك الأمر، وأن تعتمد وزارة التعليم ما تنتجه مراكز البحث العلمى المتخصصة فى رعاية المعلمين، أو زيادة قدراتهم العلمية، وهناك العديد من المراكز البحثية من بينها ما هو داخل وزارة التعليم ذاتها، مثل مركز تطوير المناهج التعليمية، وأن تتولى المؤسسات التعليمية كيفية تنظيم فصول التقوية لرفع قدرات الطلاب فقط، أو لتحسين مستوى ضعفاء المستوى منهم، وإن لم تكن المؤسسة التعليمية قادرة على تنظيم ذلك بشكل يخفف العبء الاجتماعى والاقتصادى عن الأسر، فلتلجأ إلى معاونة الجمعيات الأهلية كحل بديل، وتتولى الجمعيات تنظيم ذلك بأجور تتوافق مع متوسط الدخول، وذلك تحت رعاية وزارة التعليم ذاتها.
ومن زاوية مغايرة هل تهدف الدولة إلى تبنى سياسات تعليمية جديدة، تقدم فيها الدولة الدعم للطالب المتفوق فقط، أو ترفع يدها عن الأمور المالية فيما يخص المرحلة التعليمية الجامعية مثلا. أحاول جديا أن أتناول الموضوع بالعديد من الأشكال النقاشية، ولكننى أُذهل حين يصطدم نقاشى مع ذاتى مع ما أعلمه جيدا من مستوى دخول غالبية الأسر، وارتفاع الأسعار بشكل مطرد، حتى أن صار التخلى الجبرى عن العديد من الاحتياجات الأساسية أمرا لابد منه فى أوساط مجتمعية ومناطق شعبية كاملة، وفى الغالب تلجأ الأسر إلى وسائل غير تقليدية للصمود إزاء تلك الأحوال الاقتصادية، ومحاولتهم ضمان مستوى تعليمى متقدم لأبنائهم، تحت مظلة حلم محاولة ضمان مستقبل أفضل لهم.
***
ومن هنا أرى أنه يقع على عاتق الدولة تنمية التعليم لأنها هى المسئولة عن العملية التربوية والمؤسسات والمدارس وهى التى تؤهل المعلمين للعمل بهيئة التدريس وهى التى تضع المناهج التعليمية لذا فإنها المسئولة الأولى عن تطوير التعليم لابد من جعل المناهج تتفق مع قدرات الطلاب، فليس عليها أن تهتم بتلقين الطلاب أساسيات التعليم الخاصة بتعليم القراءة والكتابة ومساعدة المتعثرين من الطلاب، ولابد من تطوير المناهج الدراسية من أجل تعليم شامل، تكون محصلته النهائية هى تطوير الفرد والمجتمع، والنهوض بأوضاع الدولة والتقدم نحو المزيد مما وصلت إليه بلدان كانت أقل منا مستوى فى نواح عدة، وهو ما أنتج لهذه الدول ضمان مستقبل تعليمى ومعرفى للأجيال المقبلة.
إن روشتة الإصلاح المؤسسى التعليمى المصرى فى الوقت الحالى يجب أن يخرج منها المعادل المادى، والبحث فى العديد من البدائل الأخرى التى تتواكب مع حال المجتمع المصرى الاقتصادى، ومع المستوى التعليمى بشكل عام، أما عقد المقارنات ما بين المؤسسات الرسمية للتعليم، وبين العديد من الكيانات غير الرسمية « السناتر» فهو أمر لا يُقبل ويجب ألا يمر بشكل عابر، وأن على الدولة أن تضع هدفها الرئيسى فى تطوير التعليم، وخصوصا فى مراحله الأولى، التى يتكون فيها عقل ومدركات الطلاب، ويجب مكافحة تلك الظواهر بما يخفف عن عاتق الأسر، ويضمن حسن سير العملية التعليمية، وأرى أن على مجلس النواب المصرى فى دورته الحالية دورا مهما وثقيلا، وخصوصا فى ظل ما أدلى به وزير التربية والتعليم أمام إحدى لجانه البرلمانية، وأن هناك فروق خطيرة ما بين السلع الترفيهية، وإلزامية التعليم فى مراحله الأولى.