أوراق التوت - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الخميس 10 أبريل 2025 11:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

أوراق التوت

نشر فى : الخميس 16 ديسمبر 2010 - 11:12 ص | آخر تحديث : الخميس 16 ديسمبر 2010 - 11:12 ص

 فى هدوء تام يتسق والجمود الراهن فى عملية التسوية السلمية للمسار الفلسطينى الإسرائيلى أعلنت الإدارة الأمريكية قرارها بأن «تمديد الاستيطان لن يوفر فى الوقت الراهن الأساس الأفضل لاستئناف المفاوضات المباشرة» بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن الانخراط سيستمر فى الأيام والأسابيع المقبلة فى القضايا «الجوهرية» مع الجانبين، ومع الدول العربية وباقى الأطراف الدولية.

وأعلن الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن هذا التخلى عن شرط وقف الاستيطان كمتطلب مسبق لاستئناف المفاوضات المباشرة هو «تحول فى النهج»، وليس تخليا عن الالتزام بعملية السلام.

من ناحية المضمون ليس من المفترض أن يمثل هذا القرار الأمريكى مفاجأة، لأنه يأتى ضمن نموذج عام للسلوك الأمريكى تجاه إسرائيل امتد عبر العقود. وقد نذكُر مبادرة الرئيس الأمريكى رونالد ريجان فى 1982، والتى كان من شأنها إن نفذت أن تؤدى إلى الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967 فى إطار ما كان يعرف «بالمملكة المتحدة» أى فى إطار عودة الضفة الغربية إلى الأردن، وقد نذكُر أيضا خارطة الطريق 2003 التى حددت العام 2005 لتأسيس الدولة الفلسطينية، وتضمنت خطوات محددة للوصول إلى هذا الهدف، والأمثلة كثيرة لا يتسع لها المكان بما يؤكد أننا إزاء «نموذج» للسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل ولسنا بصدد حادث منفرد.

وربما يكون وجه المفاجأة الوحيدة فى القرار الأمريكى الأخير هو صراحته، فقد تعودنا على أن «تذوى» المبادرات الأمريكية التى لا ترضى عنها إسرائيل وتتلاشى تدريجيا حتى تصبح جزءا من تاريخ مضى وليس من حاضر حاولت أن تشارك فى صنعه.

يستطيع المرء بعد ذلك أن يلاحظ أن بقية خطوات «اللعبة» تمضى فى هدوء. وأن كل طرف فيها يقوم بدوره المعروف سلفا، فإسرائيل أولا لا تخفى ارتياحها، فهى تثبت مجددا قدرتها على التصدى لأى رؤية أمريكية تخالف رؤيتها، والجانب العربى عامة والفلسطينى خاصة لا يبدو ملتاعا مما وقع، وقد نذكر أن آخر إبداعات الموقف العربى فى هذا الصدد تمثل فى إعطاء «مهلة زمنية» للإدارة الأمريكية كى تتوصل إلى حل لعقبة إصرار إسرائيل على المضى قدما فى لعبة الاستيطان، وكلاهما أى الجانبين العربى والفلسطينى يبدو هادئا للغاية وهو يتحدث عن القرار الأمريكى، ويقرر الجانب الفلسطينى أن يوفد الموفدين إلى واشنطن للوقوف على حقيقة ما جرى، وكأننا بحاجة إلى من يحدثنا عن ذلك، ويعلن تمسكه بشرط وقف الاستيطان للعودة إلى المفاوضات المباشرة، ولا بأس من أن يبدى الاتحاد الأوروبى «الأسف» لعدم استجابة إسرائيل للمطلب الأمريكى، وهكذا تمضى اللعبة وفق قواعدها المحددة دون أدنى صخب أو ضجيج.

لا تبدو التطورات السابقة مدعاة للأسف. فمن يراجع الضمانات والإغراءات التى عرضتها الإدارة الأمريكية على إسرائيل وهى تطلب منها الانصياع لتمديد تجميد الاستيطان يجد أنها بلغت حدا من التدليل يثق المرء معه فى أن مضى عملية التسوية على هذا النحو كان من شأنه أن يجعل العرب والفلسطينيين عند التوصل إلى تسوية نهائية إن جاءت فى وضع أسوأ بكثير مما هم عليه الآن.

علما بأن إسرائيل قد رفضت هذه الضمانات والإغراءات، ولو كان شرطا واحدا من شروط العودة للمفاوضات يستدعى كل هذه التنازلات الأمريكية فما بالنا بالضمانات التى سوف يتعين على الإدارة الأمريكية أن توفرها لإسرائيل حال قبولها تسوية نهائية؟

نأتى بعد ذلك إلى حديث البدائل، ومن المثير أن تحدى البدائل لا يواجه العرب والفلسطينيين وحدهم، وإنما يواجه الأمريكيين أيضا، لأنهم بدورهم فشلوا فى مسعاهم الخاص باستئناف المفاوضات المباشرة الفلسطينية الإسرائيلية. يبدو المشهد الأمريكى طريفا إلى حد بعيد كمن ضل طريقه فأخذ يسلك دروبا فرعية عله يخرج من حالة التيه فإذا به يعود مرة أخرى إلى حيث بدأ. هناك حديث أولا عن العودة إلى المفاوضات غير المباشرة أو «المفاوضات التقريبية»، وقد نذكر أنه من هنا تحديدا بدأنا، وأنه قد قيل آنذاك إن هذه المفاوضات سوف تمهد الطريق بإنجازاتها للمفاوضات المباشرة، ثم جاء علينا زمان قال الأمريكيون فيه ووافقهم العرب والفلسطينيون: لا يهم فلننتقل إلى المفاوضات المباشرة حتى دون أدنى إنجاز على صعيد المفاوضات التقريبية، ففعلنا لكى نصل إلى انهيار سريع لهذه المفاوضات نتيجة التعنت الإسرائيلى، وها هم الأمريكيون اليوم يرون أحد مخارج الأزمة الراهنة فى العودة إلى المفاوضات التقريبية، فأى استخفاف بنا وبأنفسهم؟
هناك من يتحدث فى الإدارة الأمريكية عن «مفاوضات موازية» وهو ما يذكرنا بالولع الأمريكى بصك المصطلحات.

وليست خارطة الطريق ببعيدة، ومن شأن هذه «المفاوضات الموازية» أن تقتحم قضايا الوضع النهائى مباشرة. ولا يدرى المرء أولا ما هو الذى «توازيه» تلك المفاوضات المقترحة، فلا شىء يجرى حتى نأتى بما يوازيه، ثم إن الأمر يبدو وكأن العقدة فى تسمية المفاوضات فيما أنها أى العقدة فى التعنت الإسرائيلى، وهناك كذلك من يتحدثون عن عودة ذلك الرجل الطيب دمث الخلق جورج ميتشيل إلى نشاطه الذى بدأ فى عهد الإدارة الأمريكية السابقة دون جدوى، فما الجديد الذى يجعله قادرا على الإنجاز فى هذه الظروف المعقدة؟

وهناك ثالثا من يتحدث عن إلقاء الرئيس الأمريكى بثقله من خلف العملية التفاوضية، ويا له من ثقل! يخف يوما بعد يوم كلما اقتربنا من نهاية مدته الرئاسية الأولى التى ستحل قبل الوصول إلى تسوية بطبيعة الحال، فعن أى ثقل يتحدثون؟ ويعزز كل ما سبق القول بأن أحد المخارج الأمريكية من الأزمة قد يكون بالاكتفاء بإدارتها لإعطاء الوهم لمن يريد وهما بأن ثمة طعاما فى الإناء ينتظر نضجه بينما لا يحوى الإناء سوى حجارة فى ماء يغلى.

لا يقل حديث البدائل العربية والفلسطينية طرافة عن حديث البدائل الأمريكية، إذ لا نملك فى هذا الصدد سوى حديث عن اللجوء إلى مجلس الأمن (أى العودة إلى المأزق الأمريكى الذى لن تسمح معه الإدارة الأمريكية بصدور أى قرار عن المجلس يغضب إسرائيل) أو إلى الجمعية العامة (حيث الآفاق واسعة لاتخاذ قرار يرضى العرب والفلسطينيين) لكنه سوف يكون قرارا بلا أنياب كسلفه رقم 242 الصادر عن مجلس الأمن منذ أكثر من أربعين عاما، أو إلى اللجنة الرباعية (حيث المواقف تتطور ببطء إلى الأفضل فى إطار من الوداعة الكاملة تجاه إسرائيل).

لكن الطريف فى هذه البدائل هو حرص الجانب الفلسطينى على أن يؤكد أنه لن يلجأ إليها دفعة واحدة (خوفا من فرط تأثيرها؟) وإنما سوف يستنفد كل بديل قبل أن يلجأ إلى الآخر، مع أن جميع البدائل دون استثناء قد شبعت عجزا أو موتا.

جميل أن يتمسك الفلسطينيون رغم كل الصعاب بموقفهم الرافض للتفاوض ما لم تستمر إسرائيل فى تجميد الاستيطان، لكنه سيئ للغاية ألا يفعلوا شيئا سوى هذا التمسك، لأن معنى هذا أن إسرائيل ماضية فى الاستيطان دون أدنى التزام عليها.

المطلوب إذن هو فعل فلسطينى مؤثر يغير قواعد اللعبة التى لا تبدو قابلة للتغيير، ومن ذلك انتظارنا لقرار لجنة متابعة المبادرة العربية التى قطعت علاقتها منذ زمن بهذه المبادرة، وإنما هى تكتفى بردود أفعال نمطية لما يجرى فى الساحات الفلسطينية والعربية والإقليمية والعالمية، أو هى بعبارة أخرى تقوم بدورها المرسوم فى هذه اللعبة التى باتت شديدة الإملال.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية