«على مسافة واحدة من كل الأطراف» هذه أقبح عبارة قيلت وراجت بعد ثورة 25 يناير، وصارت مضغة فى أفواه الجميع، بدءا من المجلس العسكرى، وحتى وزارة الصحة والسفارة السعودية.
إن هذه العبارة التى دشنها المجلس العسكرى فى وقت مبكر للغاية كانت بمثابة الغطاء السياسى لجحافل الثورة المضادة، لكى تعيد تنظيم صفوفها، فى أحزاب وكيانات، وجماعات ضغط راحت تنتشر، فى وقت كانت فيه الثورة تتلقى الضربات فى الميادين والشوارع.. وبمرور الوقت بدا أن «الوقوف على مسافة واحدة من كل الأطراف» ليس متحققا على الإطلاق، بل ظهر أن المسافة إلى الثورة المضادة أصبحت أقصر كثيرا.
وأذكر أنى فى 27 يونيو الماضى تساءلت بسذاجة «هل يدعم المجلس العسكرى الثورة المضادة» وقلت فى هذا المكان:
لقد نشر الزميل إسلام عبدالوهاب موضوعا غاية فى الإثارة على صفحات مجلة روزاليوسف منذ ثلاثة أيام، نقل فيه عن قيادات الثورة المضادة أنهم تواصلوا مع المجلس العسكرى بشأن حملة توقيعات للمطالبة بعدم محاكمة مبارك فلم يبد المجلس ممانعة.
إن الكلمات التى نقلتها روزاليوسف على لسان مؤسسة صفحة الدفاع عن الرئيس المخلوع على فيس بوك تحمل اتهاما شنيعا للمجلس الأعلى حيث نقل عنه ما يلى «المجلس العسكرى قال لنا إذا حصلتم على توقيعات كثيرة سيتم التحرك الإيجابى نحوكم ونحو مطلبكم».
بل إن مؤسس الصفحة يضيف من عنده أن خطوة الاتصال بالمجلس العسكرى صاحبتها خطوة مماثلة إلى النائب العام حيث طلبوا منه الحصول على دعم.
وأظن أن هذا الكلام أو هذه المزاعم تضرب العلاقة بين المجلس والثورة فى الصميم، ومن ثم فإن السكوت عليها يعد سكوتا على اتهامات مبطنة بالوقوف ضد ثورة 25 يناير، أو على أقل التقدير اعتبارها هى والثورة المضادة سواء بسواء، بما كان يحتم على المجلس العسكرى أن يخرج ببيان واضح وقاطع يقول لنا فيها إن كان ما يزعمه قائد الثورة المضادة على الفيس بوك قد وقع بالفعل أم أنها مزاعم وأكاذيب، خصوصا أن ترديد هذا الكلام وفى مجلة قومية محترمة أخطر بكثير وأفدح من الاتهامات التى وجهت للزميلين رشا عزب وعادل حمودة بخصوص الإساءة للمجلس العسكرى وتعكير العلاقة بينه وبين الشعب.
والمفارقة هنا أن المجلس العسكرى استمد شرعيته فى إدارة البلاد وحكمها مؤقتا من ثورة الشعب المصرى، ومن ثم لا يصح أبدا أن يلتزم المجلس الصمت على ما تلوكه ألسنة صبيان الثورة المضادة ويحمل طعنا فى المجلس وتشكيكا فى موقفه من الثورة.
يبقى أن أشير إلى أن التحقيق الذى نشرته «روزاليوسف» يتضمن أن هناك خطة شاملة للثورة المضادة تضم رجال أعمال يمولونها ويتخفون وراء مجموعات من الشباب الذين حددوا عدة خطوات لنجاح خطتهم للقضاء على ما أسموها «نكسة 25 خساير» بالاعتماد على الانتشار فى الأحياء الشعبية بمساعدات مالية وعينية، ثم جمع التوقيعات لمنع المحاكمة والاتصال بالمجلس العسكرى لتشكيل قوة ضغط موازية لميدان التحرير.
هذا ما كتبته قبل عام تقريبا، وبالطبع لم يصدر بيان يكذب أو ينفى ما جاء فى المجلة القومية.. والنتيجة كما ترون الآن!