لا يتوقف فاروق حسنى عن مغازلة قوى التأثير الصهيونية فى سبيل الوصول إلى كرسى اليونسكو.. ولا يتردد فى الذهاب إلى أى مكان يقربه من المنصب.. يبدو متسامحا للغاية، بل ويطلب المغفرة من الإسرائيليين عما تقدم من مواقفه ضدهم وما تأخر.. لكنه أبدا لا يستطيع أن يسامح أو يتسامح مع مثقف مصرى كبير هو صنع الله إبراهيم.
ويمكن أن نتفهم أن يأخذ الوزير موقفا ضد صنع الله لأن الأخير تجرأ وتمرد على أخلاق وقيم الحظيرة ورفض جائزة تحمل اسم رئيس الجمهورية، لكن أن يصل الأمر بوزير ثقافة مصر إلى اتخاذ موقف ضد المثقفين المصريين وضد الثقافة المصرية ذاتها فهذا ما لا يمكن فهمه أو بلعه ومن ثم هضمه.
هذا ما حدث فى فرنسا وكشف بعضا منه الروائى الجميل علاء الأسوانى فى مقاله الأسبوعى بـ«الشروق» أمس، فالوزير رفض حضور مهرجان للاحتفاء بالثقافة المصرية فى مدينة «تولوز» دعت إليه وزارة الثقافة الفرنسية تحت عنوان «ماراثون الكلمات» ليس لأنه غاضب من الفرنسيين، أو لأنه عاتب عليهم فى حرمانه من دعمهم لكى يصل إلى اليونسكو، بل، وهذا هو المثير للضحك والبكاء معا، لأن أديب مصر الكبير صنع الله إبراهيم من المدعوين للمهرجان.
والأعجب من ذلك أن فاروق حسنى ــ وكما فهمت من مقال علاء الأسوانى ــ اشترط لكى يحضر أن يتم استبعاد صنع الله من المهرجان وهو الشرط (الرغبة) التى نقلتها مسئولة بالسفارة المصرية فى باريس إلى الجانب الفرنسى صراحة.
دعنا هنا من حالة الخصام على طريقة التلاميذ التى مارسها الوزير بشأن مثقف كبير بحجم صنع الله إبراهيم، وتعال نتحدث بمعايير المصلحة والمنفعة والصفقات.. فمن حق حسنى أن يغضب و«يتقمص» من صنع الله كما يشاء، لكن هل فكر الوزير فى شكله وشكلنا أمام الفرنسيين؟
لا أدرى كيف حسبها الوزير الساعى بكل اندفاع للفوز بكرسى اليونسكو، وأظن أن الفرنسيين لو كانوا متأرجحين قبل هذا الموقف بين الدعم والمعارضة لفاروق حسنى فإنهم بعد هذا الموقف الصبيانى سيحسمون أمرهم ويقررون بالقطع الوقوف ضد وصول رجل لا يستطيع أن يمارس فعل الاختلاف المحترم مع مثقف من بلده، فكيف يؤتمن على إدارة أعلى هيئة ثقافية فى العالم؟
وأزعم أنه لو كانت فرص فاروق حسنى فى الوصول إلى اليونسكو قبل هذا الموقف قليلة، فإنها بلا شك أصبحت منعدمة بعده.. فالمواصفات المطلوبة فى رجل يجلس على رأس أهم هيئة ثقافية فى العالم ليس بينها أن يكون «كيادا» و«غياظا» و«قماصا» على طريقة الأطفال.. وليس بينها أيضا أن يكون عاجزا عن الاختلاف بنبل ورجولة مع مثقفى وطنه، كما لا تشمل هذه المواصفات أن يكون المرشح للمنصب غير قادر حتى على التسامح مع مبدع رفض دخول حظيرة المؤسسة الرسمية.
وأحسب أن فاروق حسنى بهذه الرعونة يكون كمن يحاول الانتحار هربا من أداء الامتحان مثل تلميذ أيقن أنه فى سبيله إلى الرسوب، أو لتلافى العقاب فى حالة الفشل.
مشكلة الوزير صاحب اختراع «حظيرة المثقفين» أنه لا يستطيع أن يتصور أن يقول واحد من المبدعين الحقيقيين كلمة لا لعصا الوزارة.. وجزرتها أيضا.