النقابة المهنية الوحيدة التى أسند لها القانون دورا سياسيا إلى جانب دورها المهنى هى نقابة الصحفيين، فوفقا للمادة 47 من القانون 76 لسنة 1976، فإن مجلس نقابة الصحفيين يختص بوضع خطة العمل السياسى فى النقابة ومتابعة تنفيذها.
إذن حديث البعض عن أن تدخل نقابة الصحفيين فى الشأن السياسى العام وإصدارها بيانات تعبر عن موقف أعضائها فى القضايا الوطنية والسياسية هو «جر النقابة لنفق مظلم»، ما هو إلا عدم إدراك لدور النقابة وتاريخها منذ أن تأسست فى أربعينيات القرن الماضى.
فى مطلع عام 1968 عقد مجلس نقابة الصحفيين اجتماعًا طارئًا لمناقشة مظاهرات طلاب مصر التى خرجت للاحتجاج على نتائج محاكمة قادة سلاح الطيران، عقب نكسة يونيو 1976.
ووفقا لما نقله صديقنا الصحفى محمد توفيق فى كتابه «الملك والكتابة.. قصة الصحافة والسلطة فى مصر» فقد اتفق مجلس النقابة فى الاجتماع على إصدار بيان ورفعه إلى المسئولين، يساند مظاهرات طلبة الجامعات والعمال باعتبارها «تعبيرًا عن إرادة شعبية عامة تطالب بالتغيير على ضوء الحقائق التى كشفت عنها النكسة»، ويطالب بحساب كل المسئولين، وتوسيع قاعدة الديمقراطية، والإسراع فى إصدار القوانين المنظِّمة للحريات العامة.
وعلى الرغم من الضغوط التى تعرض لها النقيب أحمد بهاء الدين ومجلسه فإن البيان وصل مكتب جمال عبدالناصر صباح اليوم التالى، وهو ما اعتبره الرئيس «طعنة موجَّهة إليه من نقابة الصحفيين».
وفى فترة حكم السادات خاضت نقابة الصحفيين معركة كبيرة ضد الرئيس «المؤمن» بعد قراره زيارة إسرائيل، فرد السادات على نشاط «حزب حديقة الصحفيين» بقرار تحويل النقابة إلى نادٍ، وقاد مجلس النقابة حينها حملة شرسة لمعارضة القرار حتى تراجع السادات.
بعدها قرر مجلس النقابة حظر التطبيع مع الكيان الصهيونى حتى يتم تحرير جميع الأراضى العربية المحتلة وعودة حقوق الشعب الفلسطينى، وصدقت الجمعية العمومية للصحفيين فى مارس سنة 1980 على هذا القرار.
على مدار ثلاثة عقود قضاها «المخلوع» مبارك فى الحكم ظلت نقابة الحريات شوكة فى حلق نظامه، تحولت خلالها سلالم وقاعات «الصحفيين» إلى ملاذ آمن لكل صاحب حق، واحتضنت معظم حركات الاحتجاج التى ناهضت مشروع التوريث، وانتهى الأمر بسقوط المشروع والنظام كله فى 11 فبراير 2001.
وبمجرد صعود الإخوان إلى الحكم دخل «المعزول» محمد مرسى وجماعته فى معركة مع أصحاب القلم، حاولوا إخضاعهم وحصارهم أو شراءهم لكنهم فشلوا، وكان للنقابة ومجلسها وجمعيتها العمومية معهم معارك تم توثيقها بالصوت والصورة حتى انتهى الأمر بسقوط حكم الإخوان.
قضية تنازل السلطة عن جزيرتى تيران وصنافير لا تقل وطنية عن القضايا السالفة التى خاضتها نقابة الصحفيين، فبعد إعلان الحكومة عن اتفاقية تعيين الحدود مع المملكة السعودية العام الماضى استقبلت النقابة معارضى قرار التسليم، هتفوا على سلالمها «عيش حرية الجزر دى مصرية»، ودفعت النقابة ثمن موقفها باقتحام مقرها، والقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، ووصل الأمر إلى الحكم على النقيب يحيى قلاش وسكرتير عام النقابة السابق جمال عبدالرحيم ووكيلها السابق خالد البلشى بالسجن بتهمة إيواء مطلوبين.
الأسبوع الماضى بدأ مجلس النواب مناقشة الاتفاقية الباطلة بحكم قضائى نهائى وبات، فتجمع عدد من الصحفيين فى مقر نقابتهم للإعلان عن موقفهم الرافض لتمريرها فحاصرتهم قوات الأمن واعتدت عليهم واعتقلت ثلاثة منهم.
فى اليوم التالى دعا النقيب عبدالمحسن سلامة مجلسه إلى اجتماع طارئ لمناقشة الأحداث، تخيلت للوهلة الأولى أن المجلس الذى أشرف بعضويته سيجتمع ليصدر بيانا يتمسك فيه بمصرية الجزيرتين.
جهزت مع زملائى فى المجلس عمرو بدر وجمال عبدالرحيم ومحمود كامل مشروع بيان باسم مجلس نقابة الصحفيين يطالب رئيس الجمهورية بعدم التصديق على الاتفاقية التى مررها البرلمان، لكننا فوجئنا بأن أغلبية المجلس ذهبوا إلى مناقشة تفاصيل أخرى لها علاقة بأحداث الاعتصام، ورفض النقيب وأغلبيته مناقشة مشروع البيان ولم يصوت عليه إلا زميلنا حسين الزناتى فضلا عن مقدمى مشروع البيان.
حجة أغلبية المجلس أن نقابة الصحفيين ليس لها أن تتدخل فى الشأن السياسى، وأن دورها مهنى فقط، وأن إبداء الرأى فى تلك القضية سيدخلها إلى «نفق مظلم» وكأنهم لم يقرأوا قانون النقابة أو تاريخها.