قبل ثلاثة أشهر أقر عمدة مدينة نيويورك، وهى أكبر مدن أمريكا، بيل دى بلاسيو عطلتين رسميتين جديدتين لطلاب المدارس الحكومية فى مدينته، هما يوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى. ويعنى ذلك أنه لن يكون هناك حصص تعليمية خلال يومى العيدين لجميع الطلبة وليس للطلبة المسلمين فقط. وقال دى بلاسيو عشية الإعلان: «هناك مئات الآلاف من العائلات المسلمة لن يتوجب عليها الاختيار بعد الآن بين الاحتفاء بأقدس الأيام فى دينهم وبين حضور الحصص فى المدرسة». وخلال السنوات القليلة الماضية قررت أربع مقاطعات فى ولايات ماساشوستس ونيوجيرسى وميتشجان غلق مدارسها الحكومية للاحتفال بعيدى الفطر والأضحى. وانطلق منطق مسئولى هذه المقاطعات من أنها خطوة كبيرة فى إطار معاملة أتباع الديانات المختلفة بصورة متساوية، أسوة فى ذلك بمنح الطلاب المسيحيين، واليهود عطلات فى الأعياد. وهناك جدل كبير مستمر بين المسئولين بالمدارس العامة وأعضاء لجان المدارس لمناقشة كيفية التعامل مع التعددية الدينية، التى تشهدها ولاياتهم. وتجىء هذه القرارات لتعكس تزايد الترحيب بالمسلمين الذين يعتبرون أنفسهم جزءا من المجتمع الأمريكى، على الرغم من تبعات المواقف السياسية التى تتبعها الإدارات الأمريكية المتعافية تجاه قضايا العالم الإسلامى.
***
ورغم ما سبق فلا تعد الأعياد الإسلامية ومنها عيد الفطر وعيد الأضحى عطل رسمية على المستوى الفيدرالى الأمريكى، فإنه وفى ظل تنامى معرفة المجتمع الأمريكى بالإسلام والمسلمين، اتجهت الكثير من المؤسسات التعليمية والاقتصادية وأصحاب الأعمال والشركات لتتفهم حق المسلمين فى الاحتفال بأعيادهم ولا تمانع فى منحهم عطلة غير رسمية. بل إن إدارات الجامعات والمدارس توصى الأساتذة بعدم عقد اختبارات فى أيام الاحتفال وعدم تكليف الطلاب بواجبات منزلية مجهدة. وإن ظل البعض من أبناء الجالية لا يحصل على هذه الميزات كلما قل العدد وازداد البعد عن مراكز تجمعات المسلمين الأمريكيين. ويؤكد الرئيس أوباما فى كل مناسبة إسلامية حرصه على توضيح أن بلاده ليست فى حرب مع الإسلام ولا المسلمين، وأن الحملة الأمريكية على ما تراه إرهابا ليس لها علاقة بالإسلام وقيمه ومبادئه. ويشيد أوباما دوما، كما كان من قبل فى حالة الرئيس السابق بوش، خلال رسائل تهنئته بشهر رمضان أو بعيدى الفطر والأضحى بسلوك ونجاحات مسلمى أمريكا.
***
ولا تختلف طرق الاحتفال بالأعياد الإسلامية أو بشهر رمضان الكريم بين مسلمى أمريكا عنها فى مصر، وتقيم كل المساجد الأمريكية صلوات التراويح، وتكتظ بالمصلين من مختلف جنسيات العالم. وتتميز مساجد أمريكا بأنها أكثر من مجرد مكان للعبادة، فمعظم المساجد تحتوى على مكتبات كبيرة، ومدارس لتعليم اللغة العربية ولتحفيظ القرآن الكريم، إضافة لقاعات المناسبات الدينية والاجتماعية والترفيهية. وفى الوقت الذى كانت فيه مساجد أمريكا تتميز بصغر مساحتها خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضى، بدأ المسلمون خلال السنوات العشرين الأخيرة فى بناء مساجد ضخمة لتستوعب الأعداد المتزايدة منهم خاصة مع بروز الجيل الثانى من أبناء المهاجرين المسلمين.
ويمكن لأى فرد أن يستشعر أجواء العيد ومن قبله شهر رمضان من خلال كم الزحام والإقبال على المتاجر العربية والإسلامية لشراء الاحتياجات الضرورية. ويزداد الازدحام خلال الأسبوع الأخير من رمضان خاصة فى المحال التى تبيع «اللحوم المذبوحة طبقا للشريعة الإسلامية»، وهى محال منتشرة أيضا فى أغلب مناطق تركز الجاليات الإسلامية. وتتضاعف المبيعات طول شهر رمضان وفى مناسبة استعدادا لتجمعات ودعوات الأهل والأصدقاء. ويؤكد أحد أصحاب المحلات العربية أن مبيعات الأغذية خلال شهر رمضان تعادل ثلث حجم المبيعات السنوية. من ناحية أخرى تحرص الشرطة الأمريكية منذ بداية رمضان وخلال إقامة صلاة التراويح كل مساء وحتى الانتهاء من صلاة العيد على التواجد باستمرار على الطرق المؤدية للمساجد حرصا على سلامة المشاة من المصلين، وحفاظا على أمن المساجد وروادها. ويقوم أفرادها بشهادة المصلين، بواجبهم، وهو ما يدل على رسوخ مفهوم المواطنة فى المجتمع الأمريكى، كما يدل على احترام مؤسسات هذا المجتمع لكل الجماعات الإثنية والطوائف الدينية المكونة له.
***
ولا يعرف أحد بدقة أعداد المواطنين الأمريكيين المسلمين، لأن الإحصاءات الرسمية الأمريكية لا تأخذ الدين (العقيدة) بعين الاعتبار لأنه يعد أحد أهم الحقوق والحريات الإنسانية الخاصة التى لا يجب أن تتدخل فيها الدولة. إلا أن بعض الاستطلاعات المستقلة تقدر العدد بنحو 6 ملايين مسلم لديهم ما يقرب من 2500 مسجد يتوزعون فى كل الولايات الأمريكية الخمسين.
رغم تناغم المسلمين فى النسيج المجتمعى الأمريكى بصورة أكبر من نظيراتها فى أى دولة غربية أخرى، وهو ما يظهر فى تمتعهم بمستويات تعليمية ووظيفية ومالية أكبر مما يتمتع به متوسط المواطن الأمريكى، إلا أن هذا لا ينفى وجود ممارسات مشينة تعرض لها بعض المسلمين حتى من قبل وقوع هجمات سبتمبر الإرهابية. ويواجه الكثير من المسلمين عملية profiling أو ما يمكن ترجمته كاشتباه نمطى متزايدة فى المطارات على سبيل المثال. وتقوم بعض الأجهزة الأمنية بمراقبة العديد من المساجد التى يعتقدون بانعقاد دروس واجتماعات قد ينتج عنها تهديدات مستقبلية. وكان لدعوة الرئيس أوباما التى أطلقها من قلب جامعة القاهرة فى يونيو 2009 لبداية جديدة فى علاقات أمريكا بالعالم الإسلامى أثرا طيبا سرعان ما تبخر على صخرة ربيع العرب الديمقراطى وظهور وتمدد تنظيم الدولة، خاصة مع ما نشهده من انجذاب عشرات ومئات من الشباب الأمريكى، بعضهم وليس كلهم من ذوى أصول مسلمة، للسفر والانضمام لتنظيم الدولة ليزيد من معضلة المسلمين الأمريكيين، ويزيد من مستوى التحديات الواجب عليهم التصدى لها.