عرب الخليج والعدوان الثلاثى على مصر - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 1:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عرب الخليج والعدوان الثلاثى على مصر

نشر فى : الجمعة 17 يوليه 2015 - 4:30 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 يوليه 2015 - 4:33 ص

يوسف الحسن - الإمارات

أحيطت الوثائق الرسمية للحكومة البريطانية، بأعلى درجات السرية طوال القرن العشرين، وكان القانون الخاص بحفظ الوثائق والتقارير، التى يكتبها دبلوماسيون بريطانيون، عملوا فى الدول العربية ــ على سبيل المثال ــ لا يسمح بفتح هذه الوثائق لعامة الناس، بمن فيهم الباحثون والمؤرخون والصحفيون، إلا بعد مرور خمسين عاما عليها.

وحذت حذو بريطانيا معظم دول العالم، لكن بعضها خفَض مدة الحظر المفروض إلى ثلاثين عاما، وكذلك فعلت بريطانيا فى نهاية الستينيات من القرن العشرين.

ورغم أن هذه الوثائق والتقارير الدبلوماسية السرية، لا يمكن اعتبارها تاريخا، فإنها تشكل «مادة خام» للتاريخ، وتحتاج إلى تدقيق وتحقيق وغربلة وتحليل ومقارنة، قبل الأخذ بما جاء فيها. وتخطئ مراكز الأرشيف، فى عالمنا العربى، إذا اكتفت بترجمة هذه الوثائق والتقارير، وتقديمها للقارئ، على أساس أنها هى التاريخ.

بعض هذه الوثائق والتقارير الدبلوماسية البريطانية، فيها الكثير من الأسرار، وبعضها معلول من ناحية حقائق الأوضاع التى تحدثت عنها، وبعضها يرصد أحداثا تافهة، وأخرى تحمل نظرة سلبية ومتعالية.. إلخ.

***

الباحثون والمؤرخون العرب، انتظروا عقودا من الزمن للاطلاع على تقارير الدبلوماسية البريطانية، وعلى وثائق وتقارير دبلوماسية دولية أخرى، بحثا عن حقائق تاريخية، أو سعيا لمعرفة سياسات واستراتيجيات دول كانت عظمى، وكان لها تأثيرها فى أوضاع دول المنطقة العربية.

لم يكن (جوليان أسانج) الأسترالى، قد ولد بعد، حينما تقرر خفض مدة الحظر المفروض على وثائق وتقارير دبلوماسية، لكن هذا الصحفى والمبرمج، والمولع بأجهزة الكمبيوتر والرياضيات، عمل فى عقد التسعينيات على تطوير نظم التشفير، وأسس فى عام 2006 موقع «ويكيلكس»، لينشر بعد ذلك وثائق دبلوماسية أمريكية سرية حول الحرب فى أفغانستان والعراق، وتمكن من أن يكشف للعالم أكثر من مليون وثيقة سرية، والتى عجزت الصحافة والمؤرخون والساسة عن كشف عُشرها، على مدى عشرات السنين.

***

ما زال موقع «ويكيلكس»، يكشف الغطاء عن أسرار وتقارير، تُسلى البعض منا، وتحرج أو تغيظ البعض الآخر، وتنبه إلى أهمية حفظ اللسان والأوراق، وإخفاء النوايا، وتكشف أستارا.. تحسب أنها مستورة.

فى نهاية ثمانينيات القرن العشرين، أفرجت بريطانيا عن وثائق دبلوماسية، تعود إلى أواسط الخمسينيات.. ومن بينها، وثائق متعلقة بمنطقة الخليج العربى، حينما كان المقيم السياسى البريطانى، ما زال فى مقره فى البحرين.

وقد اطلعت على عدد من هذه الوثائق، والتى ترجمها الدبلوماسى العراقى السابق، (نجدة فتحى صفوة)، ونشرها الناشر رياض الريس فى لندن. ومن بينها الوثيقة التى كتبها المقيم السياسى البريطانى (من وجهة نظره) حول ردود الفعل الشعبية الخليجية تجاه العدوان الثلاثى على مصر فى عام 1956.

استيقظ الناس فى المدن والقرى العربية فى الخليج، ذات صباح من نومهم فى أول يوم من أيام شهر نوفمبر 1956، ليسمعوا أن عدوانا بريطانيا فرنسيا «إسرائيليا» قد جرى على مصر، وكانت إمارات أو مشيخات دول الخليج العربية، لا تزال تحت «الحماية» ــ الهيمنة البريطانية.

وقد انتاب ممثلى بريطانيا فى المنطقة، القلق من ردود الأفعال الشعبية ضد هذا العدوان الثلاثى، فاستعانوا بقوات الجيش البريطانى، للحيلولة دون توسع أية انتفاضات شعبية. كما تم اعتقال كثير من المواطنين، الذين قادوا التظاهرات، وطالبوا بمقاطعة الدول المعتدية على مصر.

ويشير تقرير رفعه المقيم السياسى البريطانى فى البحرين، فى ذلك الوقت، السير باروز، إلى وزير الخارجية سلوين لويد فى الثالث والعشرين من نوفمبر 1956، إلى ردود الفعل الشعبية فى البحرين والكويت وقطر وإمارات الساحل وعُمان.

ففى البحرين، يذكر التقرير أن تلاميذ المدارس، خرجوا من مدارسهم يهتفون ضد الاستعمار. وقامت مجموعات عمالية بحرينية بمهاجمة مجمع سكنى فى المحرق، تستأجره شركة الطيران البريطانية، وقد واجهت الشرطة صعوبة فى تفريق المتظاهرين، رغم استعمال الغازات المسيلة للدموع، ووصلت مجموعة من قوات (الكاميرون) البريطانية من عدن. وقد شجب حاكم البحرين العدوان الثلاثى على مصر، وأرسل الحاكم رسالة إلى المقيم السياسى البريطانى يستفسر فيها «لماذا لم تتخذ الحكومة البريطانية أى إجراء ضد الجيش «الإسرائيلى»؟. وقام عبدالرحمن الباكر، سكرتير لجنة الاتحاد القومى، بالدعوة إلى إضراب عام، ونظمت مسيرات وتظاهرات عنيفة، أشعلت عدة حرائق فى مكاتب شركات تجارية بريطانية، وأصدرت لجنة الاتحاد القومى بيانا دعت فيه إلى مقاطعة البضائع والسفن البريطانية والفرنسية.

وتم فرض حظر التجول، واعتقال عدد من قادة التظاهرات، ومن بينهم إبراهيم فخرو، وعبدالعزيز الشملان، وأغلقت أسواق المنامة والمحرق، وتدخلت قوات المشاة الملكية التى وصلت من عدن، فى فض المسيرات الشعبية. كما قررت حكومة المملكة العربية السعودية، إظهار تعاطفها مع مصر، بقطع ضخ النفط الخام من البر السعودى إلى مصفاة (سترة).

***

ويتحدث التقرير الدبلوماسى البريطانى أيضا عن ردود الأفعال الشعبية فى الكويت، «حيث تصاعدت حركة التضامن مع مصر، وشملت الإضراب العام فى الأسواق والمدارس، وجمع التبرعات لمصر، وتسجيل المتطوعين للدفاع عن مصر، والمطالبة بإلغاء العقود مع الحكومة البريطانية، ومقاطعة البضائع البريطانية والفرنسية، وشركات التأمين، وتحويل أموال الحكومة من البنك البريطانى للشرق الأوسط إلى بنك الكويت الوطنى».

ويشير التقرير إلى أن جمع التبرعات قد نظم على أساس شبه رسمى، وبواسطة استقطاع من رواتب الموظفين، وقد وصل إلى نحو مليون جنيه استرلينى، واستقال قائد الشرطة جاسم القطامى من منصبه، ثم حذا حذوه ثلاثة عشر ضابطا كويتيا.

أما فى قطر، فيتحدث التقرير الدبلوماسى البريطانى، عن أن نجل الحاكم الشيخ أحمد، كان منزعجا وغير راضٍ عن السياسة البريطانية، وبدا مقتنعا، «بوجود تواطؤ بين حكومة جلالته وإسرائيل»، وعلى المستوى الشعبى، فقد أغلقت أسواق الدوحة، وقطع أنبوب النفط على بعد أحد عشر ميلا شرقى (أم باب)، واتهمت السلطات البريطانية السيد حميد العطية بهذا العمل التخريبى، كما أضرب عمال ومهندسون لبنانيون يعملون فى شركة الدرويش، وعمال شركة نفط قطر، وقد سجل فلسطينيون ولبنانيون وقطريون أسماءهم للتطوع دفاعا عن مصر، وتم اعتقال حميد العطية وشقيقه.

***

وفى دبى والشارقة، كان الجو العام متوترا، وجرت محاولات لحرق (كراج) مساعد الوكيل السياسى البريطانى فى دبى، ومحاولة أخرى جرت فى مطار الشارقة (المحطة)، ويقول التقرير: «ليس من المعروف من هو المسئول عن هذه العملية، على الرغم من أن اختيار الهدف يوحى بأنه كان من تدبير جماعة مثقفة وواعية نسبيا». ومن الجدير بالذكر، أن الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، قد ذكر فى مذكراته، أنه كان وراء هذا الحريق.

ويشير التقرير إلى أن المحرضين على الإضراب فى الشارقة ودبى، هم من المدرسين المصريين، والأردنيين، وقد جرى خلال هذه التظاهرات نزع العلم البريطانى من سيارة الوكيل السياسى، وقد تم استدعاء جنود من «كشافة عُمان الساحلية»، لفض هذه التظاهرات، ولم تقع حوادث، ربما نتيجة تأثير حاكم دبى على التجار والوجهاء، ويقول التقرير: «إنه تم تخويل الوكيل السياسى، بصرف مبلغ خمسة عشر ألف روبية لنفى أو تسفير المشاغبين المدنيين، والباكستانيين، والسعوديين، الذين صاروا يمارسون أخيرا، نفوذا شريرا على البسطاء من سكان هذه المدن».

أما رد الفعل فى مسقط «فقد كان مناقضا لجميع المشيخات الأخرى، رغم أن «إسرائيل» مكروهة هنا فى مسقط ــ كما يقول التقرير ــ لكن مسقط تبقى نسبيا غير متأثرة كثيرا بالدعاية القومية العربية، إضافة إلى أن أهل مسقط يدركون أن مصر كانت تتآمر (!) بصورة فعالة لإطاحة حاكمهم، وخلق إمارة مستقلة».

ويقول التقرير أيضا: «إن القنصل الهندى، قام بحملة تبرعات لصالح مصر، وإن العمانيين منزعجون من إذاعة «صوت العرب» المصرية، التى تسمح لأحد أعوان الإمام، وهو صالح بن عيسى، بالتحدث فيها».

نعم.. قبل ستين عاما.. كان التضامن الخليجى العربى مع مصر، قويا وتلقائيا، واليوم هو أيضا فى أعلى درجاته، من أجل أن تظل مصر.. «مصر التى فى خاطرى».

التعليقات