المغرب ــ تونس: السياسة والإساءة الجنسيّة وأجساد النساء - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 1:42 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المغرب ــ تونس: السياسة والإساءة الجنسيّة وأجساد النساء

نشر فى : الجمعة 17 يوليه 2020 - 7:05 م | آخر تحديث : الجمعة 17 يوليه 2020 - 7:05 م

نشرت جريدة المقرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامى تعرض فيه ما تواجهه المرأة التونسية فى البرلمان.. نعرض منه ما يلى.

ما علاقة افتتاحيّة مخصّصة لتحليل المشهد السياسيّ، والآراء الاقتصاديّة والقانونيّة والمواقف الفكريّة، أى المواضيع «المهمّة» و«الجادّة» و«الشريفة» و«النبيلة» بالشتائم التى يوجّهها نائب لزميلته وجها لوجه أو على صفحته الخاصّة؟
يعتقد أغلبهم أنّه من غير اللائق الحديث فى هذا الموضوع «التافه» فالشتائم هى «الخبز اليوميّ» للتونسيين، ونعت الفتيات والنساء بأبشع النعوت صار أمرا «عاديّا» فلِم التوّقف إذن عند حدث «عابر» لا يستحقّ الاهتمام، ولِم نساهم فى جعله مرئيّا؟ بيد أنّنا نذهب إلى أنّ ما جاء فى تدوينة نائب هو فى صلب المشغل السياسيّ، والواقع المعيش، ويقتضى التوقّف عند دلالاته، فهل يستقيم تحليل الأحداث السياسية التى هزّت الرأى العامّ دون تحليل سلوك الفاعلين وطريقة أدائهم؟
لم يردّد «الشيخ الحكيم» الحجّة المعهودة «إنّ الإسلام كرّم المرأة» فهو مشغول بكرسيّه ومصالحه وتموقعه، ولا وقت لديه لإصدار البيانات، لاسيما وأنّ المستهدفة ليست من حزبه بل هى «العدوّ اللدود»، وكذا الأمر بالنسبة إلى وزيرة المرأة المكلّفة بمتابعة ملفّ العنف ضدّ النساء التى فضّلت الصمت على بلاغة التنديد بالعنف المسلّط على النساء فى المجال السياسيّ، ذلك أنّ كلّ خطاب قد يئوّل على أنّه اصطفاف وراء «الحزب الدستوريّ». وآثرت الأحزاب اتّخاذ نفس الموقف (إلى حدّ كتابة المقال) بل إنّ حزب التيّار لم يعتبر أنّ الاعتذار لـ«عبير موسي»ــ رئيسة كتلة الحزب الدستورى الحر فى البرلمان التونسي ــ أولويّة، وفى السياق نفسه لا موقف يذكر لسائر مكونات المجتمع المدنيّ.
ولأنّنا نعتبر أنّ منسوب العنف ضدّ النساء الفاعلات فى السياسية فى تصاعد مستمرّ ويكاد يكون ممنهجا من أجل تثبيط هممهنّ وتصميتهنّ فإنّنا نرى أنّ ما ورد فى تدوينة النائب حريّ بالتحليل الذى سنورده فى شكل نقاط:
• يتمثّل النائب زميلته على أساس أنّها ‹أنثى تحيض تبيض» فيرحّلها من عالم السياسة (فى الفضاء العامّ) إلى عالم الاختلاف الجنسى، والفروق البيولوجية والوضع الاجتماعى الذى تُهيمن عليه تمثلات اجتماعية، ومنمّطات ترى أنّ وظيفة المرأة الولادة والرعاية (فى الفضاء الخاصّ). فما للنساء والسياسية؟
• يحوّل النائب ما يخرج من الجسد الأنثوى من سوائل إلى موضوع للتهكّم والسخرية متصوّرا أنّ الحديث عن الحيض والروائح الكريهة هو منتهى التحقير، وآلية للتنفير والعزل، متوهّما أنّه قد نجح فى طرد زميلته من عالم السياسية وتجريدها من صفتها: «السياسيّة»، أى الثقافيّ ليلحقها بالطبيعيّ، والرجل إذ يفعل ذلك يسترجع أقوال السلف الذين كانوا يقيمون صلة بين دم الحيض والنجاسة لأنّ «الطمث هو الدنس»، ولا يفارق الجماعة التى مارست «كره النساء» وما زالت، بل إنّه يلحّ على اختزال الفاعلة السياسيّة فى الجسد، وإفرازاته وجنسانيته، ويصرّ على ممارسة الوصم الاجتماعيّ وانتهاك كرامة زميلته.
• يتموقع النائب باعتباره صاحب العقل والامتيازات الذكورية فهو الطاهر فى مقابل النجسة، والرجل/الذكر/الفحل فى مقابل الأنثى التى «تحيض وتبيض»، وصاحب الدم الشريف الذى لا يراق إلاّ فى ساحات الوغى والجهاد فى مقابل دم الحيض الذى يصيب الأرض بالعقم. ويرى النائب أنّه القادر على تصميت «سليطة اللسان» بتذكيرها بوضعها «الطبيعي». ولكنّ هذه الجرأة تفضح المخاوف الدفينة «فالحيض شيء مستقذر مؤذ من يقربه»، وهو فى ثقافات عديدة (يهوديّة، وفرعونيّة ورومانية...) معطّل لمبدأ الحياة. كما أنّ الخوف مرتبط بالمرأة الفاعلة، سليطة اللسان، الرجلة.. التى تأتى على نقيض المرأة المثالية فى البرلمان، وهى الممتثلة للقيم المعياريّة كالطاعة والخضوع، والتى تؤثر الصمت على الكلام.
إنّ هذا السلوك المُخبر عن دخلنة فكرة دونيّة المرأة، والذى يتعمّد فيه أصحابه توجيه الإساءة الجنسيّة إلى زملائهنّ، والحطّ من قيمتهنّ يفضح القناعات، والمعتقدات والتصوّرات التى تهيمن على عدد من السياسيين من أهل اليسار واليمين، ويعرّى فى الوقت نفسه، فشل الدولة فى ضمان المساواة، وحماية الفتيات والنساء من العنف المستشرى. وحينما يصدر العنف عن نائب/مشرّع ويكون الإفلات من العقاب، فى دولة أصدرت قانونا للحدّ من العنف المبنيّ على الجندر، مبرّرا بالحصانة، وحرّية التعبير، و«التفاهة».. فإنّه العار والشنار.

التعليقات