قبل عصر «السوشيال ميديا» وفضاءات الانترنت المفتوحة كانت السرقات الأدبية والفنية تبرر بأنها «تناص» فى محاولة من اللص الأدبى للهروب من «الفضيحة» التى تظل محصورة فى ساحات القضاء وأوساط النقاد والمثقفين.
و«التناص» مصطلح نقدى صاغته فى ستينيات القرن الماضى الأديبة البلغارية جوليا كريسيفا، ويقصد به وجود تشابه بين نص وآخر أو بين عدة نصوص، ويشير إلى العلاقات المتبادلة بين نص معين ونصوص أخرى.
فى المقابل ابتدع الأديب الفلسطينى عزالدين المناصرة مصطلح «تلاص» عندما كان يشرح عام 1989 مفهوم «التناص» لطلبة الماجسيتر بجامعة تلمسان الجزائرية، سأله أحد الطلاب: وماذا نسمى السرقات الأدبية فأجاب: تلاص على وزن تناص، والتعبير من اللصوصية.
والسرقات الأدبية عُرفت بأنها شكل من أشكال الانتحال عن سبق الإصرار والترصد، ويتم التعامل معها كجريمة يحاكم عليها القانون فى معظم الدول، لأنها تنتهك حقوق الملكية الفكرية.
وأخيرا ظهرت برامج إلكترونية تساعد على تحليل النصوص الأدبية والعلمية، والتحقق من مرجعيتها، ومدى التلاعب فيها وتزييف حقيقتها، بعض المواقع الإلكترونية يقدم تلك البرامج مجانا، وهناك مواقع تقدمها مدفوعة الثمن، وعليه أصبحت السرقات الأدبية فى عصر «السوشيال ميديا» وبرامج التحقق «مفضوحة»، ومرتكبها تحول إلى «لص» معتمد ملاحق من جمهور التواصل الاجتماعى.
قبل أيام وجهت الكاتبة نهال سماحة اتهاما للفنان أحمد حلمى بسرقة فكرة فيلمه الأحدث «خيال مآتة»، مؤكدة أنها صاحبة الفكرة، وسردت قصة ما وصفته بسرقتها على حسابها الشخصى بموقع «فيسبوك»، وهو ما أثار جدلا كبيرا.
وقالت سماحة إنها التقت مطلع 2018 بالفنانة منى زكى زوجة حلمى وعرضت عليها فكرة الفيلم وسلمتها السيناريو، ووعدتها زكى بأنها ستقرأ النص، وتتصل بها لتقول لها ملاحظاتها على السيناريو، وهو ما لم يحدث، «اختفت ولم ترد على رسائلى ففهمت أن الفيلم لم يعجبها».
سماحة أضافت أنها فوجئت فى أغسطس ٢٠١٩ بملخص ترويجى للفيلم الذى سلمت نصه إلى زوجة حلمى منشور على السوشيال ميديا، «هنا قولت استحالة يكونوا سرقوا الفكرة»، لكنها عندما شاهدت الإعلان الأول للفيلم تأكدت أنه فكرتها «شوفت الإعلان الثانى عيطت من صدمتى أن فيلمى اتسرق واتحور لشكل تانى».
لم تتحدث سماحة بما جرى إلى أحد، وفق ما سردت، فالفنان والفنانة نجوم كبار ولهم مكانتهما ومصداقيتهما، وانتظرت حتى شاهدت الفيلم، عندها تأكدت أن الفيلم فكرتها «الفيلم مش مطابق نهائى ولكن هما عاملين الفيلم من الـbackground اللى قايلاه ومش حكياه بالإضافة طبعا للفكرة الرئيسية»، إلا أن ذلك لا ينفى أن العوامل المشتركة «منقولة بالملى، فكرة + تفاصيل».
واختتمت سماحة تغريدتها بأن الفيلم الذى أخرجه خالد مرعى، وكتبه وفقا لدعاية الفيلم عبدالرحيم كمال، فشل بسبب النوايا السوداء، مشيرة فى تغريدة أخرى إلى أنها وثقت فيلمها قبل 10 سنوات تقريبا، وأنها ستقاضى صناعه حتى تثبت حقها.
كلام سماحة حمال أوجه، قد يفهم منه أن الفكرة التى هى «ملقاة على قارعة الطريق» كما قال الجاحظ، التقطها مؤلف الفيلم وأقام عليها بناءه وأدخل تفصيلاته فصارت عملا أدبيا يخصه، وهنا يمكن أن نطلق على ما جرى «تناص»، وقد يكون المؤلف أُطلع على قصة الفيلم من خلال أوراق الكاتبة الشابة أو أن زوجة بطل الفيلم تحدثت معه عن الفكرة التى سمعتها بتفاصيلها فأدخل عليها بعض التعديلات وأضاف وبدل فى الشخوص، وفى هذه الحالة يصبح صناع الفيلم متهمين بالسرقة أو «التلاص».
أثارت تدوينة الكاتبة الشابة التى شاركت فى ورش عمل العديد من الأعمال الفنية جدلا حادا على مواقع التواصل الاجتماعى، ومع ذلك لم يرد أى من صناع الفيلم على ما جاء فيها، اللهم تدوينة لزميلنا الكاتب محمد فتحى على حسابه بـ«فيسبوك» دافع فيها عن الفنان أحمد «حلمنا» على حد تعبيره والذى تربطه به علاقة إنسانية، لكنه لم يتطرق إلى ما سردته سماحة من وقائع.
على صناع الفيلم أن يتصدوا للاتهامات التى طعنتهم بها سماحة حتى يتبين الجمهور حقيقة ما جرى، هل هو «تناص» أم «تلاص»؟، فالبطل أحمد حلمى له رصيد كبير لدى جمهوره وهو ما يفرض عليه أن يصارحه بالحقيقة، والمؤلف عبدالرحيم كمال يحظى باحترام قطاع واسع من المشاهدين، ورصيده ارتفع لدى جمهوره بعد تبرؤه فى بيان معلن من «الابتذال» الذى أُدخل على مسلسله الأخير «زلزل» بعد ان أخل مخرجه وبطله بأخلاقيات وأعراف المهنة، وفقا لما جاء فى بيان نشره بعد عرض المسلسل فى رمضان الماضى.