متحف الهولوكوست ..ومذابح صابرا وشاتيلا - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 13 ديسمبر 2024 10:47 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

متحف الهولوكوست ..ومذابح صابرا وشاتيلا

نشر فى : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص

قبل أيام على موعد تقديم الرئيس الفلسطينى محمود عباس طلبا للحصول على عضوية دولة فلسطين بالأمم المتحدة تقوم على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وبعد أسبوع من إحياء الولايات المتحدة والعالم ذكرى أحداث 11 سبتمبر، ظل الفلسطينيون، ومعهم قلة قليلة حول العالم، يتجرعون فى صمت مرارة ذكرى مذبحة صابرا وشاتيلا التى نفذت عام 1982. ولم تتذكر دول العالم ولا الأمم المتحدة هذه المذابح ولم تحى ذكراها، رغم وقوع ضحايا يزيد عددهم على مجموع ضحايا حوادث 11 سبتمبر كلهم من النساء والأطفال والشيوخ.

 

ونفذت المذابح على مدى ثلاثة أيام كاملة بدأت من الخميس 16 سبتمبر وانتهت يوم السبت 18 سبتمبر على يد الجناح العسكرى لحزب الكتائب المارونى اللبنانى بقيادة إيلى حبيقة، وسمير جعجع، وأشرف على التخطيط لهذه المجازر وزير الدفاع الإسرائيلى حينذاك إرئيل شارون، ورئيس هيئة الأركان رفائيل إيتان.

 

وجاءت المذبحة خلال وقوع بيروت تحت الاحتلال الإسرائيلى، وبعد تقديم الوسيط الأمريكى فيليب حبيب ضمانات وتعهدات للفلسطينيين العزل بعدم التعرض لهم بعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من العاصمة اللبنانية.

 

وأثار الكشف عن المجزرة ضجة فى شتى أنحاء العالم، وحتى داخل إسرائيل، وفى 1 نوفمبر عام 1982 أمرت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تحقيق خاصة يشرف عليها رئيس المحكمة الدستورية العليا إسحاق كاهن، وأعلن يوم 7 فبراير 1983 نتائج التحقيقات التى حملت الجيش الإسرائيلى مسئولية المذبحة بسبب عدم قيامه بمنعها رغم استطاعته، وكانت مهمة الإسرائيليين تتمثل فى تأمين المخيمين، إلا أنهم تركوا الكتائب تدخل إليهما، كما أضاءوا لهم الليل لتسهيل إنجاز مهمتهم.

 

من ناحية أخرى، ورغم مرور ما يزيد على 65 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، يبدو أن العالم لم يعرف ولن يعترف إلا بالمذابح التى تعرض لها اليهود خلال تلك الحرب التى جرت على أراضى القارة الأوروبية على يد النظام النازى فى ألمانيا. ونجح اليهود فى استغلال أحداث الهولوكوست أو «المحرقة النازية» للحصول على غنائم كثيرة لم تقف حتى عند حد تأسيس دولة إسرائيلية بعد انتهاء الحرب بثلاث سنوات عام 1948، فقد استطاعت إسرائيل الحصول على تعويضات مالية وفنية ضخمة من الحكومة الألمانية، إضافة لحصولها على تعاطف ودعم الكثير من شعوب العالم لقضيتها وهذا هو أحد أهم دعائم قوتها.

 

ولم يقتصر النجاح الإسرائيلى على الساحة الأمريكية فقط كما يعتقد الكثيرون، ففى الأول من نوفمبر 2005 صدر قرار الأمم المتحدة رقم 7/60 باختيار يوم 27 يناير من كل عام لإحياء ذكرى ضحايا محرقة اليهود، وهو اليوم الذى يوافق ذكرى تحرير معسكر أوشفيتز فى بولندا، وهو أحد أكبر معكسرات تجميع اليهود قبل حرقهم، وحث القرار الدول الأعضاء بالمنظمة الدولية على وضع برامج تثقيفية لترسيخ الدروس المستفادة من الهولوكوست.

 

كما نص القرار على رفض أى إنكار لمحرقة اليهود كحدث تاريخى، كما طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة أن يضع برامج توعية، ويتخذ التدابير اللازمة لتعبئة المجتمع المدنى العالمى للحيلولة ضد وقوع أعمال إجرامية من هذا النوع فى المستقبل.

 

وقال بان كى مون، السكرتير العام للأمم المتحدة، فى رسالة بمناسبة اليوم الدولى لذكرى ضحايا الهولوكوست «إن الناجين من المحرقة لن يكونوا معنا للأبد إلا أن قصة نجاتهم يجب أن تستمر إلى ما لا نهاية (..)، يجب أن نحافظ على قصصهم من خلال إحياء الذكرى»

 

ونجح اليهود فى إحياء أحداث الهولوكوست فى الذاكرة الشعبية الأمريكية خاصة بعدما تم إنشاء متحف مميز للهولوكوست فى قلب العاصمة واشنطن افتتح عام 1993 ويزوره سنويا عدة ملايين منهم 90% من غير اليهود، كذلك قام بزيارته 88 رئيس دولة وعشرات الآلاف من المسئولين الأجانب، إضافة لـ8 ملايين من طلبة المدارس، ويمثل ذلك أحد أهم وسائل كسب التأييد والتعاطف العالمى الذى يخدم بصورة كبيرة السياسات الإسرائيلية.

 

من ناحية أخرى، قدمت وزارة الخارجية الأمريكية فى هدوء شديد منذ أسابيع منحة مالية تقدر بـ200 ألف دولار أمريكى لمعهد الأبحاث الإعلامية عن الشرق الأوسط (ميمرى MEMRI) لدعم برنامج يهدف إلى مراقبة الأخبار الناكرة للهولوكوست فى الإعلام العربى.

 

ويثير سجل المعهد الكثير من التساؤلات حيث إنه من المعروف على نطاق واسع قربه من الدوائر الحكومية الإسرائيلية، رغم أنه مسجل رسميا فى واشنطن كمنظمة أمريكية غير حكومية تأسست عام 1998 على يد العقيد إيجال كرمون Yigal Carmon، وهو ضابط استخبارات سابق بالجيش الإسرائيلى، كما عمل كذلك مستشارا أمنيا لمكافحة الإرهاب لكل من رئيسى الوزراء الإسرائيليين إسحاق شامير وإسحاق رابين.

 

وجاء خبر منحة وزارة الخارجية لتوثيق طرق تناول الإعلام العربى للهولوكوست فى ظل غياب وجود جهد عربى مماثل لعرض وتوثيق المذابح التى تعرض لها الفلسطينيون. وفى الوقت الذى يغدق فيه أثرياء العرب بمنح مالية تقدر بعشرات الملايين من الدولارات لجامعات أمريكية مرموقة مثل هارفارد وجورجتاون، رغم عدم حاجتها لأموال عربية، يغيب وجود جهد عربى للقيام بحملات منظمة للتأثير فى الرأى العام العالمى الذى يلعب دورا مهما فى تحديد السياسة الخارجية للدول.

 

أحد أسباب الفشل العربى المتكرر هو فشل فى إيصال وعرض رؤيتنا للقضايا المختلفة، إلا أن عدم توثيقنا للجرائم التى ترتكب فى حقنا لا يوجد له ما يبرره.

 

أمة بلا ذاكرة.. هى أمة بلا مستقبل.. فهيا بنا نوثق لكل ما يجرى بنا وحولنا، فما يبدو عاديا وروتينيا اليوم، قد يصبح ذا أهمية كبرى غدا.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات