عن تظاهرات الجمعة الماضية... خمس حقائق أساسية - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 4:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن تظاهرات الجمعة الماضية... خمس حقائق أساسية

نشر فى : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:10 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:10 م
أتصور أن بعض المسئولين فى الدولة قد تنفسوا الصعداء بانقضاء يوم الجمعة الماضية ومعه المظاهرات التى قام بها الشباب المحتجون على اتفاق ترسيم الحدود بين مصر والسعودية. فقد «مر اليوم على خير» فيما عدا بعض الضجيج والتوتر فى وسط مدينة القاهرة، والموضوع يبدو قد انتهى ولن تكون له تداعيات مقلقة فى المستقبل، والغالبية الساحقة من الشعب المصرى التزمت الصمت ولم تشارك فى الاحتجاج الذى اقتصر على بعض الشباب المتحمس أو المأجور. ولكن من يقتنع بما سبق يكون واهما ومصرا على تجاهل الحقائق الساطعة كالشمس.

الحقيقة الأولى أن هناك حالة متراكمة من الغضب والاحتقان فى الشارع المصرى، ليس من موضوع الجزيرتين فحسب وإنما من سوء إدارة البلد بشكل عام على الصعيدين السياسى والاقتصادى. فى الجانب السياسى فإن سوء الإدارة هو الذى أفضى إلى تشكيل برلمان فاقد للمصداقية، وحكومات متعاقبة لا تملك سلطة اتخاذ القرار، وتجاهل لأحكام الدستور، وتعنت فى التعامل مع ملف الحقوق والحريات بشكل عام وخاصة ما يتعلق بالمسجونين السياسيين واستمرار العمل بقانون التظاهر وملاحقة منظمات المجتمع المدنى. وأما على الجانب الاقتصادى فإن حالة التخبط والتعتيم بدت واضحة فى التمسك بسياسة عقيمة لجذب الاستثمار، والعجز عن التعامل مع أزمة السياحة، والارتفاع المستمر للأسعار، وتسخير الموارد للمشروعات القومية الكبرى دون اهتمام بالخدمات والمرافق التى تمس حياة الناس اليومية.

الحقيقة الثانية أنه برغم اقتصار مظاهرة الجمعة الماضية على بضعة آلاف تجمعوا فى وسط المدينة ألا أنها كانت أكثر عددا وتنوعا من كل التوقعات وأصدق تعبيرا عن الحالة الشبابية السائدة والتى لم تعد تعتبر التلويح بالمشاركة الإخوانية سببا لإحجامها عن التعبير عن رأيها، ولا التهديد بالحبس سببا للسكوت.

الحقيقة الثالثة أن عزوف الناس عن المشاركة بأعداد أكبر فى تظاهرات الجمعة الماضية ليس ــ فى تقديرى ــ دليلا على الرضاء، بل على الحيرة والتردد إزاء جدوى هذا الشكل من الاحتجاج. تجربة الناس مع ثورتى يناير ويونيو كانت قاسية إذ جاءت الأولى بالحكم الإخوانى، بينما عجزت الثانية عن إعادة البلد إلى المسار الديمقراطى السليم. لا عجب إذن أن يتوجس الناس ويحجموا عن الأقدام على مغامرة جديدة غير معروفة العواقب. ولكن هذا لا يعنى الرضاء على الأوضاع الحالية ولا تفويض الدولة بالمضى فى مسارها الحالى، بل ترقب وانتظار وبحث عن وسيلة أخرى للتغيير مختلفة عن مليونيات الميادين.

الحقيقة الرابعة أن موضوع الجزيرتين لم ينته بعد ولن يختفى من تلقاء نفسه، بل سوف يظل يؤرق الدولة إلى أن تحسم الموضوع حسما قانونيا مقنعا للطرفين المصرى والسعودى. وحتى إحالة الموضوع إلى مجلس النواب لن تغلق هذا الملف المشتعل بل تلقى به فى ملعب البرلمان لكى يتوصل لمخرج من أزمة تسببت فيها الدولة ولا تريد أن تتحمل مسئولية حلها. وأكرر ما ذكرته فى مقال الأسبوع الماضى بأننى لست خبيرا فى قانون البحار الدولى ولا أعلم أين وجه الحقيقة فى هذا الموضوع من الجانب الفنى. ولكن الأكيد أن إدارة الدولة للملف كانت معيبة وكاشفة عن استهتار بالرأى العام واعتقاد بإمكان الاستمرار فى إدارة البلد بأسلوب المفاجآت وكأنه لا يوجد مجتمع ولا برلمان ولا شعب.

أما الحقيقة الخامسة والأخطر فهى أن الدولة غير مدركة لحالة الانفصام المتزايدة بينها وبين الناس. وقد عبر عن ذلك بوضوح تصريح السيد رئيس الجمهورية ذات يوم التظاهر بأن مصر ماضية فى تنفيذ مشروعات هائلة ولكن الإعلام يتجاهلها والرأى العام غير متابع أو مقدر لها. ولا شك عندى أن السيد الرئيس صادق فيما يعبر عنه من غضب وانزعاج بسبب تجاهل الناس للمشروعات القومية الكبرى الحالى تنفيذها. ولكن الواقع أيضا أننا حذرنا من قبل من أن القضية ليست مجرد إنشاءات على الأرض ــ مهما كان حجمها ــ بل ضرورة إشراك المجتمع والبرلمان والرأى العام فى فهم هذه المشروعات وتقدير أهميتها وتحديد أولويات القيام بها وليس مجرد مفاجأة الناس بها، لأن هذا هو ما يعمق الفجوة بين الشعب وبين الدولة التى تصر على أن تمنع وتمنح وتقرر بمفردها ما فى صالح الرعية، وما عليهم سوى التقدير والعرفان.

الاحتجاج المتصاعد فى موضوع الجزيرتين وفى غيره من المواضيع جرس إنذار للدولة بأنها لا تسلك المسار السليم لا فى السياسة ولا فى الاقتصاد. وقد تكون هذه المرة «عدت على خير» وقد يتكرر ذات الأمر يوم عيد تحرير سيناء، ولكن الاتجاه واضح والغضب متصاعد. والفرصة لا تزال متاحة لتغيير هذا المسار المعيب وإعادة صياغة علاقة الدولة بالمجتمع قبل فوات الأوان. ولكن بشرط أن ينصت المسئولون هذه المرة.
زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.