أدى الحجر الكامل على أصوات المعارضين للدستور إلى نزع صدقية الاستفتاء وأصبح من غير الممكن الحديث بأى جدية عن نزاهته. ولا أتطرق هنا إلى النزاهة بمعناها الضيق والذى يتقلص فقط فى إجراءات التصويت وفرز الصناديق ورصد النتائج بل إلى الإجراءات والأجواء الأشمل، التى سبقت عملية الاقتراع. فإلى جانب ضخ الأموال غير معلومة المصدر فى الدعاية للتصويت بنعم وتجييش الإعلام الرسمى والخاص لنفس الغرض تطور الأمر إلى القبض على من يقوم بالدعاية لـ«لا» وترهيب من تسول له نفسه مجرد التفكير فى هذا الاختيار حتى وصل الأمر إلى وصفهم بالخيانة. انطبق الأمر على من دعوا للمقاطعة وقبض على بعضهم بتهمة «الدعوة إلى مقاطعة الاستفتاء». ورغم أن المقاطعة هى قرار شخصى وخيار سياسى مشروع تماما فمازالت غرامة التخلف عن التصويت جزءا من قانون مباشرة الحقوق السياسية ومازال التلويح بالعقوبات سلاحا تستخدمه السلطة متى وافق مصلحتها.
<<<
أعلم أن العديد من أفراد الشعب رقصوا فرحين بالاستفتاء وهو أمر مبهج وجميل، لكن النزاهة والحرية لا تقاس بعدد الرقصات أمام لجان الاقتراع، ونحن للأسف إزاء إرساء سوابق سيئة واستعادة لتقاليد وأجواء ما كان لها أن تعود. الطريقة التى أديرت بها عملية الاستفتاء ليست صفحة وانطوت، بل ستكون النموذج الذى سوف تدار به الاستحقاقات القادمة من انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحليات وغالبا بتجويد أعلى ما لم تتخذ القوى السياسية وكل مهتم بالحريات والشأن الديمقراطى موقفا حازما فى مواجهة هذا الزحف المنظم للاستبداد. فأداء السلطة لا يبشر بأى خير فيما هو آت. فإذا كان معارضى الدستور-وهو على أهميته ليس ذاتا مصونة- تعرضوا للتنكيل والحبس وتلفيق التهم فلنا أن نتخيل مثلا ما يمكن أن يحدث لمعارضى الفريق السيسى لو قرر الترشح للرئاسة.
<<<
وإلى جانب القمع الممنهج كان الاستفتاء أسوأ «بروفة» ممكنة لما سيكون عليه الأمر فى الانتخابات القادمة ولا يبشر بالحد الأدنى لتكافؤ الفرص بين المتنافسين وهو ما افترض ان يكون الهم الأول لأى مهتم بالشأن الديمقراطى. وعلى القوى السياسية المهتمة فعلا بالمسار الديمقراطى أن تقوم بدورها وتطرح تصوراتها حول الضوابط الخاصة بدور الإعلام والمال والقبضة الأمنية وأن تستعد لدخول معركة استرداد مساحات الحرية التى تتآكل بسرعة مقلقة. أناشدهم وكلى أمل ألا نكون قد انتقلنا من مرحلة التنبيه إلى أننا نواجه أفعالا استبدادية لابد من مقاومتها إلى مرحلة محاولة إثبات أن الاستبداد شىء سيئ.