إن فينا كِبرًا - معتز بالله عبد الفتاح - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 1:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إن فينا كِبرًا

نشر فى : الأحد 19 فبراير 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الأحد 19 فبراير 2012 - 8:45 ص

لا أقصد بالعنوان أن كل مصرى متكبر، ولكن ألاحظ أمرا لا أعرف أن أحدد حجمه وعمقه فى الشخصية المصرية المعاصرة، وهو أن نسبة منا أصابها فيروس التكبر على خلق الله. وهو مرض خطير، ولو استفحل فإن العواقب ستكون أوخم. ومظاهر هذا المرض ثلاثية.

 

أولا، إعجاب المرء برأيه ودفاعه عنه باستماتة دون أن يعطى للآخرين فرصتهم كى يقولوا ما عندهم من رأى ومعلومات. وقد جاء فى الحديث الشريف: «ثلاث مهلكات شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء برأيه.» فإن اجتمعت بعض هذه المهلكات سويا، فالأمر أخطر من أن يترك بلا تنبيه ونقاش.

 

ولهذا لم يكن مستغربا أن الناضجين فى الأمم المختلفة ينتصرون لحق الناس فى أن تعبر عن آرائها. وكانت مفاجأة سارة بالنسبة لى حين وجدت ما يشبه التطابق بين كلام للإمام النووى عن أهمية مناقشة الأفكار الضالة والشاذة دون قمع فكرى وبين كلام جون ستيورت ميل مؤسس الليبرالية عن أهمية احترام حق الجميع فى إبداء الرأى مهما كان مخالفا للرأى السائد فى المجتمع.

 

ثانيا، من مظاهر الكبر التى أرصدها فى بعضنا هو أن الناس لم يعد لها «كبير» والمقصود برمزية كلمة «كبير» ذلك الشخص أو هؤلاء الأشخاص الذين نحترمهم وننصت لما نقول بغض النظر عن انتماءاتنا الأيديولوجية أو الفكرية. من يقرأ فى تجربة دولة مثل جنوب أفريقيا يكتشف الدور الذى لعبه ديزموند توتو كبير اساقفة كيب تاون والزعيم نيلسون مانديلا اللذان نجحا مع غيرهما فى وضع الحد الفاصل للصواب والخطأ فى فترة التحول الديمقراطى الصعبة التى بدأت فى التسعينيات. وهو الدور الذى لعبه نهرو وغاندى فى الهند، وسعد زغلول لسبع سنوات فى تاريخ مصر. أما الآن فالجرأة فى شتم وسب كل الرموز تؤكد أن فى بعضنا كبرا.

 

ثالثا، وآية الكبر أننا لا نعتذر عن أخطائنا، وحين يعتذر الآخرون لا نقبل اعتذارهم، وحين نخطئ نرى أخطاءنا فى أعيننا مثل النمل، ونرى أخطاء الآخرين مثل الجمل، وكأن الإنسان لا يتطور أو ينضج وفى سبيل تطوره ونضجه يجرب ويخطئ، المهم ألا يصر على باطل. إن مهاراتنا فى الانتقاص من الآخرين والخوض فى سمعتهم دليل على أن فى بعضنا كبرا.

 

ولكن هذا غير مستغرب على مجتمع استبد به واستبد بالآخرين لعقود، وكما قال عبدالرحمن الكواكبى:

 

«قد يبلغ فعل الاستبداد بالأمة أن يحوِّل ميلها الطبيعى من طلب الترقّى إلى التسفُّل (أى طلب السفالة)، بحيث لو دُفِعَت إلى الرِّفعة لأبت وتألَّمت كما يتألَّم الأجهر من النور، وإذا أُلزِمَت بالحرية تشقى، وربما تفنى كالبهائم الأهلية إذا أُطلِق سراحها. عندئذٍ يصير الاستبداد كالعلق يطيب له المقام على امتصاص دم الأمة، فلا ينفكُّ عنها حتى تموت ويموت هو بموتها».

 

فليسقط الاستبداد الذى فرضه علينا المستبدون، وليسقط الاستبداد الذى نريد فرضه على الآخرين، ولنحيا بلا كبر.

معتز بالله عبد الفتاح أستاذ العلوم السياسية بجامعتي القاهرة وميشجان، ويدير حاليا وحدة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في جامعة ميشجان المركزية في الولايات المتحدة. حصل على ماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة وماجستير الاقتصاد ودرجة الدكتوراه في العلوم السياسية من الولايات المتحدة. كما عمل في عدد من مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة ومصر، له ثمانية كتب والعديد من المقالات الأكاديمية منشورة باللغتين الإنجليزية والعربية.
التعليقات