فى انتظار قانون جديد للجمعيات - زياد بهاء الدين - بوابة الشروق
الأحد 22 ديسمبر 2024 3:31 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى انتظار قانون جديد للجمعيات

نشر فى : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:40 ص

على ضفاف النيل بمدينة الأقصر الغامضة والساحرة، جمعنى منذ أيام لقاء مع مجموعة متميزة من رواد الإعلام الاقتصادى المصرى، وذلك ضمن فاعليات مؤتمر سنوى ينظمه المركز المصرى للدراسات الاقتصادية لمناقشة القضايا المهمة ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية. وقد كان موضوع لقائى مع المجموعة قانون الجمعيات الأهلية المرتقب بعد إعلان السيد رئيس الجمهورية عن ضرورة تعديل القانون الحالى الصادر عام ٢٠١٧ وبعد انتهاء جولة الحوار المجتمعى التى أدارتها وزارة التضامن الاجتماعى حول هذا الموضوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وقد سعدت بأن يضمِّن المركز المصرى موضوع الجمعيات الأهلية والقانون الذى ينظمها فى الموضوعات ذات الأهمية الاقتصادية لأن هذا فى حد ذاته يبرز ما للمجتمع المدنى من دور اقتصادى وتنموى إيجابى ومهم، وهو دور يتراجع ويُحَرم الشعب منه كلما سيطر الاعتقاد بأن النشاط الأهلى ليس إلا أداة لزعزعة الاستقرار وتسهيل التدخل الأجنبى فى شئون البلد، فتكون النتيجة هى صدور مثل القانون الحالى الذى عرقل نشاط الجمعيات وحرم الناس من الاستفادة بخدماتها وأساء لمصر دوليا.
من جانبى فقد أشدت خلال لقاء الأقصر بالحوار المجتمعى الذى نظمته وزارة التضامن الاجتماعى خلال الشهور الماضية من أجل استطلاع آراء ورؤى المجتمع المدنى المصرى حول ما يجب أن يتضمنه القانون الجديد. وعلى الرغم من أن السيدة وزيرة التضامن الاجتماعى قد وضحت خلال الجلسة التي دعيت لحضورها ضمن فاعليات هذا الحوار الواسع أن عرض هذه النتائج والتوصيات لا يعنى بالضرورة موافقة الحكومة عليها جميعا ــ فإننى أعتقد أن هذا الحوار الذى استغرق عشرات الجولات فى مختلف المحافظات وأدارته جمعيات أهلية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة والاستقلال النسبى قد ساهم فى بلورة «أجندة توافقية» حول ما ينبغى تغييره فى القانون الحالى وما يجب أن يمثل الحد الأدنى من الضوابط والمبادئ فى القانون الجديد كى يمثل نقلة حقيقية ويفتح صفحة جديدة.
هذه الأجندة التوافقية تضم عناصر أساسية لم تعد محلا للخلاف من حيث المبدأ فى محيط المجتمع الأهلى المصرى بمختلف مكوناته ومجالات نشاطه وإن تعددت الصياغات: (١) أن تأسيس الجمعيات والمنظمات الأهلية حق للمواطنين وبالتالى يكون بإخطار وزارة التضامن وليس باشتراط موافقتها كما يقضى الدستور. (٢) أن هناك حاجة ملحة لتخفيف العديد من القيود والأعباء الإدارية والإجرائية التى تثقل كاهل المنظمات الأهلية وتحد من نشاطها وتزيد من تكلفته. (٣) أن هناك ضرورة للرقابة على التمويل الأجنبى ولكن وفقا لضوابط قانونية واضحة ومنطقية على نحو ما قامت به دول أخرى بنجاح. (٤) أن الإشراف الإدارى على المنظمات الأهلية يجب أن يكون من خلال وزارة التضامن الاجتماعى وحدها ولها أن تتعامل مع باقى جهات الدولة الادارية والرقابية دون تعريض المجتمع المدنى لرقابة مزدوجة. (٥) أن الدولة مسئولة عن الإشراف إجمالا على النشاط الأهلى ولكن عليها أيضا واجب دعمه ومساندته. (٦) أن الرقابة التى تتحقق من جانب المجتمع على النشاط الأهلى بما فى ذلك المتبرعون له والعاملون فيه والمستفيدون منه أكثر أهمية وفاعلية من الرقابة البيروقراطية وهذا يحتاج للمزيد من الإفصاح والشفافية فى جانب المنظمات الأهلية. (٧) ضرورة حذف المواد العقابية السالبة للحريات من القانون لأنه ليس موضعها ولأنها موجودة بالفعل وبما يكفى فى قانون العقوبات ومختلف القوانين الجنائية الصادرة لهذا الغرض.
الحوار مع الإعلاميين الاقتصاديين فى الأقصر كان ثريا ومثيرا، ولهذا فلم تخلُ تعليقاتهم من التشكك فى نوايا الدولة حيال المجتمع المدنى والتوجس من أن ينتهى الحوار المجتمعى والآمال المعقودة عليه إلى صدور قانون ليس أحسن بكثير مما سبقه.
وقد كان ردى على هذه المخاوف أن لها ما يبررها فى الأسلوب الذى تم به تمرير القانون الحالى، ولكن أن الظروف هذه المرة مختلفة لأن تجربة القانون السابق كانت شديدة السوء وهناك أمل فى تغير رؤية الدولة ولو بشكل طفيف للمجتمع المدنى، وما ألمسه من جانب وزارة التضامن الاجتماعى فى هذا الاتجاه إيجابى للغاية. والأهم من ذلك أن الحوار الحالى فى البلد خلال الفترة الماضية، والأجندة التوافقية التى اجتمع عليها المجتمع المدنى المصرى سوف يصعب تجاهلها، وصدور قانون جديد لا يمتثل لمكوناتها الأساسية يعنى أن يكون محكوما عليه بالإدانة والفشل ولو بعد حين كما جرى مع القانون الحالى.
•••
ما كنت أحب أن أختم المقال على هذا النحو، ولكن للأسف أن مزيدا من شهداء القوات المسلحة سقطوا ضحية للحرب ضد الاٍرهاب، وهم أبناؤنا وإخوتنا وأفضل ما فينا، فلهم الرحمة ولأهلهم خالص العزاء ولزملائهم كل التقدير والوفاء.

زياد بهاء الدين محام وخبير قانوني، وسابقاً نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي، ورئيس هيئتي الاستثمار والرقابة المالية وعضو مجلس إدارة البنك المركزي المصري.