العمل العربى المشترك خارج السياسة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 21 مارس 2025 7:45 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

العمل العربى المشترك خارج السياسة

نشر فى : الأربعاء 19 مارس 2025 - 6:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 مارس 2025 - 6:45 م

تشير الكثير من الدلالات إلى الوهن الذى أصاب الإرادة السياسية فى كثير من الأقطار العربية، خصوصًا بالنسبة للقضايا القومية المشتركة التى تمس الجميع بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ولقد كتب وتحدّث الكثيرون عن أسباب ذلك الوهن، وقدّموا مقترحات قد تقود إلى علاج ذلك الوهن. ولكن بقيت تلك المقترحات فى أغلب الأحيان مهملة فى الأدراج دون أى تفعيل.
من هنا ضرورة وأهمية الانتقال من عوالم السياسة، المأزومة، بسبب ذلك الغياب أو الوهن الذى أصاب الإرادة السياسية العربية القومية المشتركة، إلى عوالم أخرى قد يكون ولوجها مدخلًا أفضل وأيسر للعمل الوحدوى العربى التضامنى المشترك.
لنأخذ كمثال أول حقل الحاجة المشتركة لتأسيس مشاريع صناعة عسكرية عربية. لقد حاولت مجموعة من الأقطار العربية منذ عدة عقود تنفيذ خطوة مشتركة لتأسيس صناعة عسكرية عربية.
لكن المشروع توقّف بعد حين بسبب ملابسات اتفاقية السلام فيما بين جمهورية مصر العربية والكيان الصهيونى.
لكن، ألم يئن الأوان إعادة النظر فى الموضوع على ضوء مستجدّات داخلية جديدة حدثت فى طول وعرض بلاد عرب من جهة، وعلى ضوء تطورات كارثية فى الابتزازات والضغوط التى مارستها قوى استعمارية وصهيونية من خلال موضوع شراء وشروط استعمالات السلاح للجيوش العربية؟ ألا تضع الولايات المتحدة الأميركية على الأخص، لكن أيضًا مؤخرًا الكيان الصهيونى، شروطًا كثيرة قبل بيع أى سلاح حديث متطور أو السماح ببيع قطع غيار لأى سلاح مقتنى من هذه الدولة العربية أو تلك، بل شروطًا أقسى بالنسبة للسماح ببيع أية أسرار تكنولوجية دون تنفيذ شروطهما الابتزازية الكثيرة سواء بالنسبة للموضوع الفلسطينى أو بالنسبة للموافقة على المقاطعة والمحاصرة الاقتصادية على هذا القطر العربى أو ذاك، أو بالنسبة لقبول مشاريع مسّميات مشبوهة من مثل الشرق الأوسط الجديد؟
ألم يحن الوقت للتخلص من تلك الابتزازات والضغوط من خلال قيام صناعات حربية عربية مشتركة، كما فعلوا فى السابق؟ إبعاد السياسة عن هذا المشروع وجعله فى الدرجة الأولى مشروعًا عربيًا مستقلًا تحركه حاجات السوق العربية من السلاح لجيوشها، لكن أيضًا يدخل فى التنافس العالمى لبيع الأسلحة وتطويرها والتعاون فى بناء مراكز بحوث لتحديث التكنولوجيا والعلوم التى تقف وراءها؟
ألن تؤدى تلك الخطوة إلى تحسين استقلالية كل أقطار الوطن العربى فى شئون التسليح، وبالتالى إلى مزيد من الاستقلالية فى كل شئون الأمن العربى الداخلى والخارجى؟
لنستذكر هنا أن ما تنفقه الأقطار العربية سنويًا على شراء الأسلحة يصل إلى نسبة أربعة ونصف فى المائة من حجم ناتجها المحلى. لنستذكر أن محاولة بعض الأقطار العربية لبناء صناعات حربية ظلّت محدودة وتكنولوجيا قديمة، بسبب ضيق القاعدة البشرية والعلمية والتقنية المطلوبة، وإن وجدت يظل العاملون فيها فى خوف من الاغتيالات التى يمارسها الأعداء ضد كل العلماء العرب العلميين والتقانيّين الذين يشتغلون فى تلك الصناعة.
لنستذكر أيضًا أن صناعة السلاح تحتاج إلى ثروات مالية هائلة لا تتوفر إلا فى قليل من الأقطار، بينما أنها ستكون متوافرة بقيام مشروع صناعى عربى مشترك.
وينطبق الأمر على القدرات التكنولوجية. إن توفرها وتوفر إمكانيات تطويرها الدائم سيكون أسهل وأفضل على المستوى العربى الكلى، بدلًا من المستوى القطرى المحدود فى كل إمكانياته.
وأخيرًا فإن الخلية الأولى لقيام مثل تلك الصناعة العربية المستقلة المشتركة تستطيع أن تنطلق فى الحال بما هو موجود: فمثلًا، إن مصر لديها ستة وعشرين مصنعًا، والجزائر لديها سبع شركات تصنيعية تابعة للدولة. ومن المؤكد أن بعض الآخرين لديهم مثل ذلك أو أفضل.
ما ذكرناه اليوم هو أحد الأمثلة وسنحاول تفصيل أمثلة أخرى فى مقالات مستقبلية.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات