بأعيننا رأينا الخارجين من اعتصام النهضة صباح الأربعاء الماضى، يطلقون النيران عشوائيا من أسلحة آلية فى شارع جامعة الدول العربية وشارع البطل أحمد عبدالعزيز القريب من مقر الجريدة، ولم يجد مصورونا عناء كبيرا فى التقاط صورهم، إذ كانت عمليات الترويع تجرى أمامنا، وطلقات الرصاص تخترق آذاننا.
بأعيننا رأينا عشرات من «المتظاهرين السلميين» يطلقون النار على الناس فى الشوارع والبلكونات من أعلى كوبرى 15 مايو وكوبرى إمبابة الجمعة الماضية، وكنّا قررنا ــ أنا وخمسة من زملائى ــ أن نخرج بسياراتنا معا فى الطريق إلى بيوتنا بعد يوم عمل عصيب، وجرّبنا طرقا عديدة للوصول إلى مدينة نصر، وباءت محاولاتنا كلها بالفشل،فاضطررنا إلى العودة تحت القصف الأهوج حتى تهدأ الأمور، وبات بعضنا ليلته فى الجريدة.
بأعيننا شاهدنا لقطات حية على القنوات الفضائية لـ«المتظاهرين السلميين» يقتحمون الكنائس ويحرقونها ويعتلون أسطحها منكسين الصليب وسط تهليلات وتكبيرات أنصارهم.
بأعينا رأينا «المتظاهرين السلميين» يلقون بالمولوتوف على قسم الأزبكية، ويطلقون النيران على الجنود وعلى الناس من أهالى المنطقة الذين خرجوا يتصدون لهم، وهو مشهد تكرر فى العديد من أقسام الشرطة فى محافظات مصر جميعها، وكان أقساها ما جرى فى قسم شرطة كرداسة، الذى هوجم بالجرينوف وتم ذبح 15 من قوته والتمثيل بجثثهم والتبول عليها، وسط صيحات تهتف: إسلامية إسلامية، ومازال الفيديو متاحا على اليوتيوب لمن أراد.
بأعيننا رأينا رايات القاعدة السوداء ترتفع وسط ميدان رمسيس وعمليات توزيع السلاح وإطلاق النار تجرى بلا هوادة، وشاهدنا تكسيرا لمحلات وسيارات لا ذنب لأصحابها إلا أنهم وقعوا فى طريق «المسيرات السلمية» بالمصادفة، وهو أيضا مشهد تكرر فى كل محافظات مصر.
كانت الجماعة وحلفاؤها يريدونها «جمعة غضب»، وقد نالوا ما أرادوه، فكانت غضبة الشعب عليهم ساحقة، بعد أن عاشوا يوما عصيبا تحت إرهاب جماعة تسعى إلى حرق البلد وشل مؤسساتها، مقابل عودة رئيسها المعزول للحكم، ولولا حماية قوات الأمن وتأمين خروج المعتصمين فى مسجد الفتح لفتك الناس بهم.
الكاذبون يصورون الأمر على أنه ردة فعل على فض اعتصامى رابعة والنهضة وهذا كذب صريح، فعمليات اقتحام مؤسسات الدولة وحرق الكنائس بدأت قبل فض الاعتصام بأيام وفقا لمخطط مدروس، ولعلك تذكر أن الإخوان اقتحموا 7 وزارات قبل يومين من فض الاعتصام، وأقاموا منصة لهم داخل وزارة الزراعة بعد أن حطموا أبوابها، وجرت محاولات مماثلة فى وزارات العدل والأوقاف والتعليم والصحة والكهرباء والقوى العاملة، ورافق هذه التحركات محاولات لتعطيل المترو وقطع الطرق.
جرى ذلك كله قبل فض الاعتصام الذى دام قرابة شهرين، والذى كان بؤرة مسلحة للانقلاب على الثورة والدولة، وبحسب شهود عيان من المنظمات الحقوقية التى صاحبت عملية الفض، وبحسب رواية زميلنا محمد عنتر الموثوقة والموثقة، فإن قناصة الإخوان كانت من بادرت بإطلاق النيران على قوات الأمن فور دخولها مقر الاعتصام.
والآن: ما الذى تراهن عليه الإخوان فى سعيها لاستعادة السلطة بعد أن تكشفت أكاذيبها وعداؤها للدولة والشعب المصرى كله؟
هم يراهنون على أمرين: انشقاق الجيش فتدخل مصر فى الحالة السورية بكل ما فيها من مآس مروعة، والدعم الدولى الذى يمكن أن يتطور إلى إجراءات اقتصادية لحصار مصر وتجويع المصريين، أو تدخل عسكرى كما جرى فى الحالة الليبية.
هل تشم فى الخيارين رائحة ما؟
أقول لك: إنها رائحة الخيانة.
أقول لك أيضا: هى رهانات خاسرة.. وغدا يعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.