بريطانيا العظمى ضد دستور للمصريين - عماد أبو غازي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 7:18 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بريطانيا العظمى ضد دستور للمصريين

نشر فى : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 9:00 ص

فى الأسابيع الأولى لقيام الحرب العالمية الأولى وبالتحديد فى الحادى عشر من نوفمبر سنة 1914 وعد الخديوى عباس حلمى المصريين بمنحهم الدستور، ذلك الوعد الذى لم يتحقق بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر وعزل الخديوى فى ديسمبر من نفس العام، ومع إعلان الحرب تعطلت الجمعية التشريعية وتوقف عملها طوال سنوات الحرب.

 

 

فى 11 نوفمبر سنة 1918 وبعد أربع سنوات بالضبط من منشور الخديوى عباس حلمى الذى وعد فيه بدستور عصرى كامل، أعلنت الهدنة وانتهت الحرب، وبدأ قادة الأمة يطالبون بإنهاء الأحكام العرفية والسماح لوفد يمثل مصر بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس، وكان على رأس هؤلاء المطالبين سعد زغلول الوكيل المنتخب للجمعية التشريعية المعطلة.

 

من ناحية أخرى كانت بريطانيا تعد العدة لمرحلة ما بعد الحرب فى مصر؛ فقد كان متوقعا أن تبدأ مطالبة المصريين بإنهاء الحماية التى زالت مبرراتها بانتهاء الحرب، وأن يطالبوا كذلك بعودة الجمعية التشريعية، بل وبدستور حقيقى يصون حقوق المواطنين ويحمى حريتهم ويعبر عن طموح المصريين فى إدارة شئونهم بأنفسهم، ويعكس ما ناضلوا من أجله لأكثر من قرن من الزمان.

 

بدأت الحكاية فى ربيع سنة 1917، عندما قرر مجلس الوزراء فى 24 مارس تشكيل لجنة لوضع مشروع لتعديل البنية القانونية والقضائية والإدارية فى مصر بما يتلاءم ووضع مصر الجديد بعد زوال تبعيتها للدولة العلية العثمانية وخضوعها للحماية البريطانية، مشروعات تضمن تقنين المكاسب التى تحققت لبريطانيا من الحماية حتى لو انتهت الحماية رسميا بنهاية الحرب، وكان من بين أعضاء اللجنة السير وليم برونيت مستشار دار الحماية البريطانية فى مصر والمستشار المالى للحكومة، والرجل الأقوى بين مستشارى الحكومة المصرية جميعا، وتم تكليف برونيت بمهمة مقرر تلك اللجنة، التى عرفت باسم لجنة الامتيازات الأجنبية.

 

انتهت اللجنة من صياغة عدة مشروعات لتغيير البنية القانونية المصرية، منها قانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجنائية الذى كان يسمى قانون تحقيق الجنايات، وقانون المرافعات، بالإضافة إلى بعض فصول القانون المدنى والقانون التجارى. كما وضعت اللجنة تصورا لنظام قضائى جديد يدمج القضاء الوطنى فى القضاء المختلط الذى كان ينظر فى القضايا التى يكون أحد أطرافها أجنبيا، وكان الهدف من تغيير النظام القضائى سيادة القضاء المختلط على القضاء الوطنى، وسيطرة القضاة الإنجليزى على المنظومة القضائية بما فى ذلك تعيين نائب عام إنجليزى.

 

وعندما حاول أعضاء اللجنة الترويج لمشروعاتهم فى الأوساط القانونية والسياسية من خلال طرحها فى المنتديات القانونية مثل الجمعية المصرية الاقتصاد السياسى والتشريع والإحصاء، تصدى لهم الوطنيون المصريون معلنين رفضهم لها، وكان من أبرز من تصدوا لهذه الهجمة سعد زغلول الذى اشتبك مع عضو اللجنة المستر برسيفال المستشار بمحكمة الاستئناف الأهلية، الذى ألقى محاضرة فى الجمعية يشرح فيها مشروع قانون العقوبات. وقد أكد سعد زغلول فى مداخلته على رفض مشروع القانون الغريب عن المنظومة التشريعية المصرية المستقرة، وعلى ضرورة عودة الجمعية التشريعية للانعقاد لمباشرة رقابتها على القوانين، وكان لهذه المداخلة أثر بالغ فى إحباط المشروعات البريطانية لتعديل المنظومة القانونية المصرية.

 

وفى هذا السياق أعد السير وليم برونيت مشروعا لقانون نظامى لمصر، أى دستور جديد للبلاد يحدد العلاقة بين السلطات فى الدولة؛ ويصف المؤرخ المصرى عبدالرحمن الرافعى فى كتابه عن ثورة 1919 ذلك المشروع، فيقول: «وضع السير وليم برونيت مشروع قانون نظامى لمصر، ينزل بها إلى مرتبة المستعمرات التى يراد جعلها سوقا لكل من نزل بها من رعايا الدول الأجنبية، ويتلخص هذا المشروع فى إنشاء مجلس نواب مصرى، يؤلف من المصريين، ولكنه استشارى محض، ليس له سلطة قطعية فى أمر من الأمور. وبجانبه مجلس شيوخ، يملك وحده السلطة التشريعية، ولكنه خليط من المصريين والأجانب، يؤلف من أعضاء رسميين، وهم الوزراء المصريون والمستشارون الإنجليز ومن فى مرتبتهم من الموظفين البريطانيين، ثم من أعضاء منتخبين، ينتخبون بطريقة كثيرة القيود والشروط، منهم 30 مصريا و15 أجنبيا بحيث تكون الأغلبية فيه للأعضاء الرسميين والأعضاء الأجانب المنتخبين، والأقلية للأعضاء المصريين المنتخبين، ولو نفذ هذا المشروع لصارت سلطة التشريع فى يد شرذمة من الأجانب، ولصار المصريون فى بلادهم غرباء».

 

لقد كان المشروع محاولة واضحة من بريطانيا للسيطرة على سلطة التشريع فى البلاد، وهى محاولة لها جذور قديمة تعود إلى زمن اللورد كرومر، فقد سبق له أن دعى فى تقريره لسنة 1904 إلى إنشاء مجلس تشريعى مختلط.

 

ظل المشروع طى الكتمان إلى أن قدمه برونيت لحسين باشا رشدى رئيس مجلس الوزراء فى منتصف نوفمبر 1918 عقب تحرك الوفد المصرى للمطالبة باستقلال البلاد، ورفض حسين باشا رشدى المشروع ورد عليه ردا مفحما، لكن السلطات البريطانية ظلت تسعى لتمرير مشروعها الذى كان سيضمن لها سيطرة كاملة على البلاد.

 

لكن أحدا لم يكن يتوقع أن تقوم الثورة فتطيح بالحلم البريطانى وتخط صفحة جديدة فى تاريخ النضال الدستورى المصرى.

التعليقات