قامت المظاهرات والمسيرات لعودة شرعية د. مرسى وبعدها تم أكبر وأطول اعتصام فى تاريخ مصر من أجل عودته.. وعندما يستنكر البعض التضحيات الجسيمة والكبيرة التى تمت من أجل عودته يرد البعض قائلا: إننا لا يهمنا د. مرسى فى حد ذاته ولكن تهمنا الشرعية.
لقد وقع منذ عزل د. مرسى أكبر عدد قتلى وجرحى فى تاريخ الصدامات بين الحركة الإسلامية والدولة المصرية وخصوصا فى أثناء فض الشرطة والجيش بالقوة المفرطة لاعتصام رابعة الذى أقيم أساسا لعودة د. مرسى.
وقامت أكبر محاولة لفك أسره من الحرس الجمهورى عنوة مما أدى إلى مذبحة الحرس الجمهورى الشهيرة.. وقتل وجرح الآلاف من الشرطة والجيش فى سيناء وغيرها.
كل ذلك والمدافعون عن د. مرسى يقولون: كل التضحيات تهون من أجل الشرعية.. وبعد فترة بسيطة اختلط مفهوم الشرعية بالشريعة اختلاطا مخلا وسلبيا ومقصودا.. حتى صارت الشرعية هى الشريعة وكأنه لا فرق بينهما.
والحقيقة أن هناك فرقا جسيما وخطيرا بين الشرعية والشريعة رغم أنهما يتفقان تماما فى عدد الأحرف وفى الأحرف نفسها مع اختلاف فى الترتيب.. وهذا يولد اختلافا هائلا فى المعنى والآثار المترتبة عليه.
فالشرعية هى السلطة التى جاءت برضا الناس أو بانتخابات أو بغير ذلك.. واكتسبت شرعية قانونية أو واقعية أو نحو ذلك.
أما الشريعة فهى أوامر ونواهى وأحكام الشرع الشريف الحنيف التى جاءت عبر القرآن العظيم أو سنة النبى (صلى الله عليه وسلم) أو إجماع الأمة.
فالشرعية هى اختيار البشر.. وقد يخطئ أو يصيب.. وقد يشوبه الالتباس والخلط وقد يتخلله الخداع واللبس ويتأثر بعوامل كثيرة أبرزها خداع الدعاية والإعلام وشراء الأصوات.
أما الشريعة فهو اختيار الله وأحكامه للمكلفين من عباده.. وهى حق كلها وصدق كلها وعدل كلها.. ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها والشرعية يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها طواعية لسبب أو لآخر.. وقد يتنازل عنها حقنا للدماء كما تنازل سيدنا الحسن بن على رضى الله عنهما ونال بذلك وسام السيادة الذى منحه له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ابنى هذا وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين».
أو يتنازل عنه حتى لا ينقسم الجيش أو الشعب مثلما فعل الملك فاروق حينما تنازل عن العرش بعد ثورة 23 يوليه.. فقد رفض طلب الحرس الملكى بالدفاع عنه وعن شرعيته ضد الضباط الأحرار رغم علمه بقدرتهم على ذلك حقنا لدماء المصريين قائلا لهم: «إننى أرفض إراقة دم مصرى واحد».. رغم أنه ليس مصرى الأصل.. ولذلك لم يقتل فى ثورة 23 يوليه سوى جندى واحد اشتبك مع قوات الضباط الأحرار حينما اقتحموا مقر رئاسة الأركان.. ولم يكلف الملك فاروق نفسه عناء البحث الكثير عن هل ما فعله الضباط الأحرار هو ثورة أم انقلاب.. ولكنه عاش مع واقع الأمر دون النظر لتوصيفه.. لأن التوصيف لن يفيده شيئا.. سوى الدخول فى حرب بين فصائل الجيش المصرى.. وبين أطياف الشعب المصرى دون جدوى.. فقد أدرك أن عهده قد انتهى.
والشرعية هى جزء يسير من الشريعة.. لأنها اختيار الناس لمن يحكمهم بالعدل والقسطاس.. فالشريعة أكبر بكثير من الحكم ولا يمكن أن يتحول الجزء إلى كل.. أو أن يلغى الجزء الكل.. أو أن يمحو الجزء مصالح الكل.. وأن نضيع الكل من أجل الجزء.. فالدين والإسلام أكبر من السلطة مهما عظمت.. والمشروع الإسلامى فى الأصل هو مشروع هداية وليس مشروع سلطة حتى وإن كان الحكم والسلطة جزءا منه.. فإذا تعارضت السلطة مع هداية الخلائق أو مع إراقة الدماء قدمت هداية الخلائق وعصمة الدماء.
والشرعية «السلطة» هى وسيلة.. والشريعة «الدين» هو الغاية.. ولا يمكن أن نحول الوسيلة إلى غاية.. أو أن تلغى وتهدم الوسيلة الغاية.. أو أن نتوصل إلى الوسيلة النبيلة بوسائل غير شرعية.. مثل حرق الكنائس أو الأقسام أو تفجير المنشآت أو قتل ضباط الشرطة والجيش وتكفيرهم أو تعميم العقاب على الخصوم.
سيقول البعض أن الشرطة والجيش والحكومة قاموا بقتل متظاهرين كثيرين فى رابعة وغيرها.. فأقول: نعم.. ولكن ذلك لا يبرر للآحاد تطبيق القتل أو الثأر المسلح أو تعميم العقاب وإقامة الحدود لأن ذلك من مهام الدول والحكام فحسب.. وينبغى السعى لاستيفاء الحقوق بالطرق الشرعية والقانونية التى لا تدخل أصحابها فى ظلم أكبر وأفدح وأعم من ظلم الحكومات