الثقافة والسياسة والمسئولية - ريم سعد - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 5:47 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة والسياسة والمسئولية

نشر فى : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 11:48 ص | آخر تحديث : الخميس 19 نوفمبر 2009 - 11:48 ص

 اقتصر استخدام مصطلح «الثقافة» إلى وقت قريب على معناه المتعلق بالرقى الفكرى والذوق الرفيع فى الأدب والفن. وظل مفهوم الثقافة بمعناها الرئيسى الآخر، والذى أحيانا ما يوصف بالمعنى الأنثروبولوجى بعيدا عن التناول الشائع، واقتصر استخدامه على دوائر ضيقة من المتخصصين والأكاديميين.

وتتعلق الثقافة بمعناها الأخير بمحصلة التفاعل بين مجموعة بشرية، وما ينتج عنها من تفاهم مشترك على رؤية العالم الاجتماعى والسلوك والممارسات التى تنبع من هذه الرؤية وتتسق معها.

وأنا بحكم تخصصى فى علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية، والذى يدخل فى صلب اهتماماته ومنهجه ولغته التحليلية هذا المعنى الثانى لمصطلح الثقافة، فقد أسعدنى دخول هذا المفهوم لمصطلح الثقافة إلى حيز النقاش العام ورواج استخدامه فى الحديث عن المشكلات والقضايا المعاصرة. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع التوصيفات المطروحة فى عبارات مثل «ثقافة العنف» أو «ثقافة التواكل» أو «ثقافة التيك أواى» أو غيرها..

فاستخدام مفهوم الثقافة فى سياقات كتلك يضفى بعدا مهما فى التعبير عن الظواهر الاجتماعية بشكل يأخذ فى الاعتبار جانب التفاعل الاجتماعى وعلاقة الأحداث أو الظواهر بالتحولات الدقيقة فى نسيج المجتمع، ويلخص العلاقة المتشابكة بين الأفكار والمناخ والسلوك.

على أنى أود أن ألفت النظر إلى استخدام لمفهوم الثقافة فيه خلط أساسى بين الثقافى والسياسى. والذى غالبا ما يأتى هذا الاستخدام من أطراف تنتمى للحكومة. فمنذ شهرين تقريبا صرح حسام بدراوى عضو مجلس الشورى وعضو لجنة السياسات بالحزب الوطنى لجريدة لوس أنجلوس تايمز بضرورة استئصال «ثقافة التعذيب» من السجون المصرية.

وللدكتور حسام بدراوى كل التحية لجرأته فى النقد العنيف الذى وجهه للحكومة التى ينتمى إلى حزبها الحاكم. أما ملاحظتى فتتعلق فقط بدلالات استخدام مصطلح «ثقافة» فى سياق هو سياسى بالأساس. فالسجون مؤسسات تابعة مباشرة للدولة والقائمون عليها يأتمرون بأوامرها ويتبعون سياستها. فإما أن انتشار التعذيب هو نتيجة سياسة توصى بذلك أو على الأقل تسمح به أو تتغاضى عنه أو إن مؤسسات الدولة قد خرجت عن الطوع وترك كل قطاع لينمى «ثقافته» الخاصة على هواه، وهى أيضا قضية سياسية خطيرة.

نفس الكلام ينطبق على التصريحات الأخيرة لجمال مبارك فى حواره مع الشباب عبر الإنترنت، وهى التى أقر فيها بانتشار الوساطة فى الجهاز الإدارى للدولة مبررا، ذلك بأن الوساطة جزء من ثقافة المصريين.

فتفشى الوساطة داخل أجهزة الدولة هو بالأساس مسئولية الدولة، وهو عرض لأمراض سياسية عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر عدم وجود آلية محترمة لتحقيق تكافؤ الفرص وانعدام الرقابة الجادة على أداء الأجهزة الإدارية.

وفى نفس الحوار ألقى جمال مبارك بالمسئولية عن البطالة أيضا على ثقافة المصريين فى جملته التى أثارت غضب الكثيرين «إحنا شعب مبيحبش يتحرك كتير وهذه هى ثقافتنا، لأننا لا نريد أن نتعلم أو نعمل بعيدا عن أهلنا».

تصبح الثقافة فى استخدامها هنا مرادفا لكلمة أخرى أضحت سيئة السمعة من فرط إعمالها فى غير محلها وهى «السلوكيات». وتصبح ثقافة المصريين وسلوكياتهم أدوات لإلقاء المسئولية عن تردى الأوضاع على الشعب وللتنصل من المسئولية السياسية.

التعليقات