بعيدا عن تقييمنا الإيجابى أو السلبى لأداء السادة نواب البرلمان، فهذا التقييم يخضع لتقديرات قد تختلف من شخص إلى شخص، لكن ما لا يمكن الاختلاف عليه هو أن الدستور ألزم الحكومة باحترام هذا المجلس الذى من المفترض نظريا أنه يخضعها لرقابته، يسائلها ويحاسبها ويسحب منها الثقة إذا لزم الأمر.
لكن ولأننا فى زمن صار الحديث فيه عن الإلزام الدستورى ترفا، وتوجيه السؤال فيه لغير الله «مذلة»، فلم يتمكن برلماننا من إخضاع السيد طارق شوقى وزير التربية والتعليم للمساءلة أو حتى الرد على الأسئلة العاجلة، ومناقشة طلبات الإحاطة والتى بلغ عددها أكثر من 100 طلب تتعلق بكافة جوانب المنظومة التعليمية.
غاب الوزير الأسبوع الماضى وللمرة الثانية فى أقل من شهر عن جلسات البرلمان، وكما اعتذر شوقى عن عدم حضوره اجتماع لجنة التعليم بالمجلس الشهر الماضى لسفره فى «مهمة وطنية» إلى فنلندا، كرر الأسبوع الماضى اعتذاره عن عدم المثول أمام النواب فى الجلسة العامة وذلك لسفره فى «مهمة وطنية» أخرى إلى دولة الإمارات.
حسبما هو متبع فى دواوين الحكومة لا تُحدد سفريات الوزراء والمسئولين الرسمية فجأة، بل لها جدول ومواعيد يتم تحديدها سلفا، وعليه فكان من باب الاحترام للمجلس ودوره الذى حدده الدستور، أن يُخطر السيد وزير التعليم البرلمان بجدول مواعيده بشكل مسبق حتى يتسنى للمجلس اختيار موعد يناسب الطرفين، خاصة أن القضية التى من المفترض أن تُناقش تشغل بال كل بيت مصرى.
اللافت ورغم تكرار غياب شوقى وعدم مثوله أمام البرلمان، إلا أن بعض السادة نواب المجلس حتى من تقدم منهم بطلبات إحاطة وأسئلة عاجلة للوزير، تعاملوا مع الأمر وكأن شيئا لم يكن، فى حين احتج البعض الآخر ومنهم النائب ضياء الدين داود وزميله فريدى البياضى على عدم حضور الوزير.
ضياء الدين داود عقب خلال جلسة الأسبوع الماضى على غياب الوزير، قائلا: «مستقبل البلد دى مش مجال للهزل مش عارف حكاية الوزير اللى ما بيتكشفش على البرلمان، بقت حاجة غريبة ومثار تساؤل، لا يحضر فى اللجان، ولا مشاكل كبيرة يحضر، ولا مناقشة قوانين يحضر، ولا طلبات إحاطة يترد عليها، وبقت وزارة تسيير أعمال واللى فى دماغه بيعمله»، داعيا النواب إلى حساب الوزير على غيابه المتكرر «لو البرلمان ماحاسبهوش على ده يبقى البرلمان بيفوت وبيفرط فى حقه».
وانحاز النائب فريدى البياضى لموقف زميله ضياء الدين داود، وانتقد تكررا غياب الوزير بلا مبرر، وقال فى بيان صحفى: «لا أتصور أن هناك التزاما أو سفرا أهم من مستقبل أبنائنا ومن قضية التعليم، وإذا كان الوزير لا يستطيع مواجهة نواب الشعب فليرحل ويترك المسئولية لمن يقدرها».
أما غالبية نواب حزب الأغلبية «مستقبل وطن»، فلم يسمع لهم حس ولم يرفع أحدهم صوته للرد على غياب شوقى للمرة الثانية، رغم أن معظم الأدوات الرقابية الموجهة للوزير منهم وليس من نواب الأقلية.
نواب البرلمان الذين انبرى بعضهم فى الهجوم على مسرحية «المومس الفاضلة» التى كتبها الفيلسوف جان بول سارتر قبل 75 عاما، وتنوى الفنانة إلهام شاهين تقديمها مجددا على أن تخرجها الفنانة الكبيرة سميحة أيوب التى سبق لها تقديم نفس العمل فى ستينيات القرن الماضى، هؤلاء النواب التزموا الصمت تجاه وزير أثارت سياساته وقراراته أزمات لا تعد ولا تحصى.
ليس من المتوقع أن يعيد شوقى أو غيره من الوزراء النظر فى أى قرارات يتخذونها وتثير غضب الناس، مادامت الأدوات الرقابية للمحكومين معطلة وغائبة، فبدون برلمان يمارس دوره فى مساءلة السلطة التنفيذية ومحاسبتها، وفى ظل الأسقف المنخفضة التى فرضت على الصحافة والإعلام، ستبقى الأوضاع على ما هى عليه، وعلى المتضرر اللجوء إلى الله والتضرع له بالدعاء والشكوى.