أصدرت محكمة النقض حكمها بقبول الطعن المقدم من محمود عيسوى المحكوم عليه بالإعدام شنقا فى قضية مقتل الفتاتين هبة العقاد ونادين خالد، وقضت بإلغاء حكم الإعدام وإعادة محاكمته أمام دائرة جديدة. وبصرف النظر عما سينتهى إليه الأمر، فإن المتهم رغم وضعه الصعب كإنسان يعيش تحت احتمال الإعدام يظل أوفر حظا من غيره، ليس فقط لأن طعنه قُبل ولكن لأنه كان لديه الحق أصلا فى أن يتقدم بطعن إلى محكمة النقض..وهو ما لا ينطبق على العشرات الذين حكم عليهم ونُفذ فيهم حكم الإعدام بواسطة محاكم الطوارئ و لا على محمد جايز صباح وأسامة عبد الغنى النخلاوى ويونس محمد أبو جرير الذين ينتظرون حكم الإعدام بعد ما أدانتهم محكمة أمن الدولة العليا (طوارىء) بالقيام بتفجيرات طابا فى أكتوبر 2004، التى راح ضحيتها نحو 34 شخصا، الأمر الذى أدانته بشدة منظمة العفو الدولية، ليس فقط بسبب مناهضتها المبدئية لعقوبة الإعدام، ولكن لما وصفته بالمحاكمات «بالغة الجور» التى أدينوا من خلالها، ولأن الأحكام استندت فى أساسها إلى اعترافات تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب الشديد.
ولا نحتاج إلى التذكير بأن عقوبة الإعدام تنفرد عن غيرها من العقوبات فى كونها نهائية لا رجعة فيها إذا ما ثبت مثلا فى وقت لاحق على التنفيذ وجود خطأ ما أو لو ظهرت فيما بعد أدلة جديدة قد تبرئ المتهم. وفى ظل الانتشار الواسع للتعذيب واستخراج الاعترافات تحت شتى صنوف الإكراه وغيرها من ألوان الانتهاكات لحقوق المتهمين، وفى ظل التزايد المطرد فى إصدار أحكام بالإعدام لا يجب أن تمنعنا بشاعة الجريمة ــ جنائية كانت أو إرهابية ــ عن التساؤل: كيف يا ترى تم الحصول على «سيد الأدلة»؟
فمن المثير للقلق أن أحكام الإعدام تحظى بشكل عام بتأييد شعبى ملحوظ.. وقد تابعت مشاركات القراء فى «منتدى الشروق» حول موضوع إعدام المغتصب علنا، وأزعجنى (وإن لم يفاجئنى للأسف) التأييد الكاسح للفكرة وأن الأغلبية العظمى من المشاركين ترى فى الإعدام العلنى حلا جذريا لجريمة الاغتصاب، بل لمشكلة الجريمة فى مصر بشكل عام. الفكرة مرعبة وفاشلة أيضا. أولا ليس هناك أية أدلة على جدوى عقوبة الإعدام كرادع للجريمة. وثانيا فإن الإعدام العلنى، وهو قمة العنف الجسدى و الرمزى، لن ينتج عنه ردع فوق العادة كما يتصور المتحمسون، وإنما بالعكس سوف يؤدى إلى تعميم العنف واعتياده عن طريق الرفع الهائل لسقف ما هو مقبول وطبيعى وملائم لحياة يومية عادية. ولو أصبح مشهد الجثث المعلقة وسط المدينة اعتياديا نكون قد وفرنا على مجرمى وقتلة المستقبل شوطا كبيرا، وساعدناهم على تخطى العقبة الأصعب فى سبيلهم إلى الاحتراف وذلك عن طريق نزع رهبة الموت، بل والقتل من نفوسهم.
ظنى أن المتحمسين للتوسع فى استخدام عقوبة الإعدام ــ سواء علنيا أو غير ذلك ــ كحل جذرى وسحرى لمشاكل الجريمة والإرهاب غير مقدرين تماما لخطورة ما ينادون به، بل أذهب أبعد من ذلك لأقول إن آراءهم قد لا تكون معبرة تماما عما يعتقدونه هم أنفسهم، ليس لأنهم منافقون مثلا ولكن لأن مشاعرهم فى الأغلب أكثر تركيبا مما يمكن أن تترجمه لحظات انفعال سببها التأثر بجريمة ما. أود أن أذكِّر هنا بالصدمة الشديدة التى سببها مشهد الإعدام العلنى لصدام حسين وردود الفعل الغاضبة والمصدومة والتى لم تقتصر على مؤيديه والمعجبين به، وإنما شارك فيها من كانوا يتمنون له هذا المصير وأكثر. ولأن هذا المشهد جمعنا وجها لوجه فى لحظة قسوة فريدة مع معنى الإعدام، ففى اعتقادى أن ردود الفعل كانت تعبر عن رأى ــ ربما كامن ــ فى الإعدام أكثر مما كانت تعبر عن رأى فى صدام حسين.
عقوبة الإعدام والموقف منها مسألة لا تتعلق فقط بحقوق الإنسان أو بعلم الجريمة، وإنما هى الآن قضية ذات أهمية سياسية تصنف الدول على أساسها على الساحة الدولية. وتقوم منظمة العفو الدولية بتصنيف دورى للدول تبعا لموقفها من عقوبة الإعدام، وحسب آخر الإحصاءات فإن نحو ثلثى دول العالم قد أوقفت العمل بهذه العقوبة سواء بإلغائها قانونا أو بتعليق تطبيقها، والأخير يعد حلا عمليا مقبولا فى حالة الدول التى لا تريد التطرق إلى مناقشة مبدأ الإعدام. ومن الدول العربية التى قامت بتعليق العقوبة الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا.
ستكسب مصر كثيرا، على الأقل على المستوى الدولى لو قامت بتعليق العمل بعقوبة الإعدام. قد يكون الأمر أصعب على المستوى الشعبى، ورجائى هنا للمتحمسين أن يفكروا مرة أخرى. أعتقد أن غالبيتنا تعتقد فى المثل الشعبى «يا ما فى الحبس مظاليم». يجب إذا ألا نغض الطرف عن إمكانية وجود مظاليم فى طابور الإعدام، وإن كان هناك أصغر احتمال لوجود مظلوم واحد فقط معرض لهذه العقوبة فهو سبب كافٍ للتوقف ــ الآن.