بعد تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سدة الرئاسة للمرة الثانية، مسبوقا بجهوده لوقف القتال فى غزة، إذا به يفاجئ العالم بأسره بأفكار ومطالبات تدفقت بسرعة غير مسبوقة وغطت أركان الأرض على اتساعها من وجهة نظره، ويطالب بما لم يجرؤ أحد من قبله فى تاريخ العالم بأسره ــ على حد علمى ــ على أن يطلبه، ومحطما جميع أصول العمل الدبلوماسى وضاربا الحائط بقواعد القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية المتراكمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى الآن، بل يضيف عليها كل يوم جديدأ من الأفكار اللاشرعية واللامعقولة إنسانيا، مما ينهك العالم بأسره، والمتابعين والمحللين والأطراف المعنية بكلامه.
ما يعنينى هنا موقفنا، بعد أن وجدنا مصر والسعودية والأردن فريسة لأطماع الرئيس ترامب، بل ويفرض عليها ما يتعين عليها فعله تلبية لأوامره التى أكد أنها ستستجيب له دون شك!!! ويساعد موقفنا الرافض وشرعيته، تعدد ردود الفعل الدولية من كندا، والدنمارك وبنما، وكولومبيا والمكسيك، ودول حلف الناتو، والصين وروسيا، وعدد من الدول التى ترفض ما جادت به قريحته من شظايا متناثرة أصابت عددا كبيرا من الدول، وأثارت دهشة العالم بأسره بما فيه دولة إسرائيل على ما يبدو.
بعد مقابلة الرئيس الأمريكى مع ملك الأردن، جاء رد مصر قاطعا ورافضا لتلبية دعوة الرئيس ترامب للرئيس السيسى لزيارة واشنطن، لوقت لم يحدد بعد. ورفض أن يكون جدول أعمال الزيارة متضمنا بحث تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر والتوطين فى سيناء أو فى أى مكان فى مصر، ورفض مصر القاطع للمساهمة فى تصفية القضية الفلسطينية، وإهدار حقوق الشعب الفلسطينى فى أرضه ووطنه.
السؤال الآن: ماذا نفعل، وقد أصبحت الدول العربية الثلاث فى مواجهة مع الفيل (رمز الحزب الجمهورى) الأمريكى الجامح؟
لم يعد لدينا ترف التمهل والوقت يداهمنا، والأحداث متسارعة، والمفاجآت تترى، والمسودات تفقد جوهرها مع كل حدث يستجد ويلغى ما قبله ما بين ساعة وأخرى.
فى تقديرى، إنه بالرغم من حجم التحدى، فلا مناص من التصدى له بكل جدية، وعقلانية مستفيدين من ردود فعل الدول الغاضبة المستغربة من التصرف الأمريكى والتصريحات المتهورة منه ومن إسرائيل المنتشية بالدعم المطلق كى تعيث فسادا فى المنطقة وتتوسع وتخضعها لزعامتها. بل أيضا بروز أصوات معارضة داخل الولايات المتحدة ذاتها.
باختصار أقترح أن نرتب أولويات نقاط قوتنا ونقاط ضعفنا كالآتى:
أولا: ينبغى أن نتحرك دون إبطاء لدعوة حركة حماس ومنظمة التحرير إلى اجتماع، كل على حدة أولا، مع ممثليين لمصر والسعودية والأردن وقطر، وإفهامهم أن المصالحة الفلسطينية أصبحت أمرا ملحا، وأنه دونها لا يمكن التحرك. بعبارة أخرى، الضغط عليهما بل إجبارهما عليها، بل وتهديدهما داخل الغرف المغلقة بأن رفض ذلك سيجبر الدول العربية على التخلى عنهما والحفاظ على مصالح شعوبنا، وطلب إتمام وإعلان هذه المصالحة خلال أيام، بل وطلب تنحية الوجوه القديمة من الجانبين واستبدالها بوجوه من الصف الثانى من المؤهلين للتفاوض والعمل الدبلوماسى على أعلى مستوى، تفويتا لأية حجج من جانب إسرائيل. بل ومطالبة حماس بحث الحوثيين على وقف نشاطاتهم التى تصب فى صالح إسرائيل والغرب كحجة لتقويض الجهود العربية، بل وبحث إمكانية تمويلهم كحزب سياسى فى بلدهم اليمن.
ثانيا: إعداد أوراق العمل للقمة العربية المعلنة ــ حتى الآن ــ يوم ٤ مارس القادم، بشكل ملزم وبصياغة واضحة أنه لا مجال للتلاعب وأن من يتخلى عن الموقف العربى الموحد عليه أن يتذكر مقولة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض)، ولو بعد حين.
ثالثا: انكباب الدبلوماسيين وفقهاء القانون الدولى، وعلماء الاقتصاد والمال، لإعداد الأوراق المثبتة للشرعية، ودحض التغاضى عن قواعد القانون الدولى ومقررات الشرعية الدولية، المتراكمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
رابعا: إیفاد مبعوثين باسم القمة العربية، العربية الإسلامية، العربية الإسلامية الأفريقية، إلى جميع العواصم المعنية برسائل تشرح مخاطر إصابة الشرعية الدولية فى مقتل، قد ينجم عنها اندلاع الحرائق والعداوات بالمنطقة، وخروجها عن السيطرة، بما فيها واشنطن.
خامسا: أن تصدر عن القمة العربية ما يؤكد تضامنها مع مصر والسعودية والأردن وفلسطين اقتصاديا وماليا، وخطة تعمير غزة دون تهجير شعبها، بل والمطالبة بمساهمة إسرائيل فى تكاليف التعويض لما تسببت فيه من خراب.
سادسا: الانتهاء من إعداد خطة التعمير المقترحة من مصر دون تهجير الشعب الفلسطينى من غزة والضفة.
سابعا: إدانة ما يجرى فى الضفة الغربية يوميا، وإعلان قطع علاقات مصر والأردن مع إسرائيل، ورفض السعودية تطبيع العلاقات معها إذا لم يتم تطبيق حل الدولتين.
ثامنا: توجيه رسالة واضحة وقوية من القمة إلى الرئيس ترامب تتضمن شرحا قانونيا لرفض خطته بلغة راقية وترجمتها لجميع اللغات ليشهد عليها العالم بأسره.
تاسعا: إن عقلانية الموقف العربى لا ينبغى أن تتسم بالضعف والتوسل بل بإمكانية التصدى والهجوم المحسوم بالأدلة، والتلويح بحجم المصالح المشتركة مع الولايات المتحدة.
عاشرا: إذا كان من التعقل فى حالة تصعيد واشنطن وإسرائيل مواقفهما عدم التهديد بقطع العلاقات مع واشنطن ولكن يجب قطعها مع إسرائيل، بل وعدم قبول حضور اجتماعات الأمم المتحدة فى المقر الأمريكى ما دامت واشنطن تتجاهل وترفض الانصياع لقرارات الشرعية الدولية التى أقرتها فى حينها، وترفضها الآن، والاكتفاء العربى بالحضور فى المقر الأوروبى للأمم المتحدة كلما دعت المصلحة لذلك.
حادى عشر: برغم كل التهديدات الأمريكية، وإمكانيات التضييق علينا، والتى أتصور أن تسارع عدد من دول الخليج ــ وقوى دولية كبرى ــ بسد احتياجاتنا استثمارا للمناخ السياسى الدولى الناجم عن الأزمة. كما أستبعد إمكانية وقوع عمل عسكرى ينسف كل ما تأسس على عملية السلام التى بدأتها مصر عام ١٩٧٧، ولولاها لما اعترفت عدد من الدول العربية بإسرائیل، بل ولما سمح الأمر للولايات المتحدة ذاتها وسهل لها ازدهار علاقاتها مع الدول العربية.