القاضى الرئيـس - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الخميس 27 فبراير 2025 10:24 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

القاضى الرئيـس

نشر فى : الخميس 20 مارس 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : الخميس 20 مارس 2014 - 9:39 ص

على قِصر الفترة التى تعرف فيها الشعب المصرى على المستشار عدلى منصور رئيسا مؤقتا للبلاد، أزعم أن هذا الرجل وهو يوشك أن يغادر منصبه بعد نحو شهرين من الآن قد استطاع أن يكتسب احترام الشعب المصرى وثقته. ومع أن الرجل ممنوع بحكم الدستور من الترشح فى الانتخابات الرئاسية الوشيكة، وهذا أمر معلوم للجميع، إلا أنك ستسمع من كثيرين أنه لو قدر لمنصور أن يترشح لانتخبوه، وشتان ما بين حاكم يتعجل الشعب ذهابه وحاكم يراد له الاستمرار. أذكر مع أول خطاب ألقاه علينا منصور فى ذكرى العاشر من رمضان كيف تفاجأنا بما لا يفترض أن يفاجأ به أحد: التزامه الدقيق بموعد إذاعة الخطاب، إيجازه الشديد فى التعبير عن أفكاره، لغته السلسة التى لا تتعالى على البسطاء منا بأوصاف من نوع «أبلج ولجلج» ولا تسِف بما لا يستقيم مع وضع رئيس الجمهورية بحديث «الحارة المزنوقة»، لكن قاتل الله الزمن الردىء الذى طبعنا على ما لا يجوز التطبيع معه.

•••

سيذكر التاريخ اسم عدلى منصور مسبوقا بلفظ «أول» من قام بفعل كذا وكذا عدة مرات، ناهيك عن أنه أول قاضٍ يصل إلى كرسى الحكم فى مصر. فمنصور هو أول من يقصد الكاتدرائية المرقسية لتهنئة المسيحيين المصريين بعيدهم وكان من سبقوه يتخفون وراء ممثليهم فيما يصدعوننا بالحديث عن المواطنة والشعب الواحد. ومع أن ملف دور العبادة من أكثر الملفات حساسية فى ظل زحف التطرف على الوسطية الدينية المصرية إلا أن عدلى منصور لم يتورع فور توليه منصبه عن إصدار قرار ببناء كنيسة فى 6 أكتوبر وما كان أغناه عن اتخاذ هكذا قرار فيما هو رئيس مؤقت. ومنصور هو أول من يعيد للفن المصرى اعتباره مدركا أولوية مساهمته فى تشكيل وجدان المواطن العربى من المحيط إلى الخليج، وإدخال العامية المصرية إلى كل بيت عربى مما حفظ تواصل الشعوب العربية بغض النظر عن تقلبات السياسة وأمزجة الحكام. وعلى المستوى الشخصى أعتبر أن خطاب عدلى منصور فى عيد الفن هو أفضل خطبه على الإطلاق، ففيه اعتزاز بفنانى مصر ومبدعيها وإشادة بدورهم فى «الارتقاء بإحساس الشعب المصرى» وهذا تعبير بليغ، وفيه تأكيد على معنى الجمال (ذكره خمس مرات) وهو معنى توارى عن عيوننا فغاب عن قاموسنا، وفيه ملامسة لطبيعة الشعب المصرى وفطرته التى فطره الخالق عليها تلك الفطرة التى تعبر عن الفرح والحزن بالغناء. وعلى صعيد آخر، ومع أننى لست من هواة تشبيه الساسة الحاليين بالرئيس عبدالناصر إلا أن عدلى منصور عندما تدخل فى أحد البرامج التليفزيونية داعيا محمد برغش نقيب الفلاحين المستقلين، الذى شكا من صعوبة لقاء «سيادة الرئيس»، إلى الاتصال على الفور بمكتبه لتحديد موعد لمقابلته، فإن منصور أعاد إلى ذاكرتى مشهد عبدالناصر حين أجاب بنفسه على مكالمة من سيدة مصرية بسيطة طلبته عن طريق الخطأ فعرض عليها أن يطلب لها الرقم الصحيح بنفسه.

•••

هل كان يستطيع عدلى منصور أن يفعل أفضل مما فعل؟ بالتأكيد نعم، وهناك ملفان على وجه الخصوص كنت أتمنى أن يتناولهما بشكل مختلف. الملف الأول هو ملف العدالة الانتقالية الذى كان من أوائل الملفات التى اهتم بها الرئيس إلى حد استحداث وزارة لهذا الغرض وتكليفها بمتابعته، وهو تطور استبشرنا به خيرا فى حينه لأنه لا استقرار فى وجود الشعور بالظلم. وقد شاركت لمرة واحدة فى اجتماع الرئيس منصور بعدد من الشخصيات العامة لبحث كيفية تفعيل عمل الوزارة المعنية، وانفض الاجتماع ولم أشارك فى سواه وأظنه لم يتكرر. ولو كان عمل الوزارة مفعلا لما تأخر تشكيل لجنة تقصى الحقائق التى يرأسها الدكتور فؤاد عبدالمنعم رياض ستة أشهر كاملة من يونيو إلى ديسمبر 2013، وتلك هى اللجنة التى صدر بتشكيلها قرار جمهورى. أما الملف الثانى فهو ملف قانون التظاهر، ففضلا على أن جهات عديدة على رأسها المجلس القومى لحقوق الإنسان كانت لها ملاحظاتها المتعددة على القانون ولم يعمل بها، فإن عاقلا لم يكن يتصور التطبيق الكامل لهذا القانون فى ظل الفوضى التى تعيشها مصر حاليا على نحو يؤدى لإعماله فى حالات وتجميده فى حالات أخرى وليس أخطر من قانون يصدر ولا يطبق أو هو يطبق حينا ويجمد حينا آخر. ومع أن تدخل منصور لدى النائب العام للإفراج عن المتظاهرين الذين لم يثبت بحقهم ممارسة العنف يعد تخفيفا من بعض تداعيات قانون التظاهر، إلا أن السؤال المثار يظل هو: وماذا لو لم يتدخل الرئيس؟

•••

أما قضية تحصين قرارات لجنة الانتخابات ورغم أن الرئيس نفسه ذكر أن المشروع الأول الذى خرج من عنده أجاز الطعن، فإنه انتهى لاحقا إلى التحصين خوفا من المماطلة الشديدة فى تنفيذ العملية السياسية، ولنا فى سوء استخدام جماعة الإخوان حق رد المحكمة خير دليل على تعويق إجراءات التقاضى وتعطيل سير العدالة. وسوف تظل قضية التحصين قضية خلافية كما اتضح من اجتماع منصور مع ممثلى التيارات السياسية المختلفة بهذا الشأن فمنهم من اقتنع بالتحصين ومنهم من ظل على رفضه.

•••

عندما يغادرنا عدلى منصور بعد نحو شهرين سنذكر للرجل أنه قاد سفينة الوطن فى مرحلة لا أصعب منها، وأن الحمل كان من الثقل عليه إلى حد أن منصور أحال إصدار قانون الانتخابات البرلمانية إلى قسم التشريع بمجلس الوزراء، فقد ناله ما يكفى عند إصدار قانون انتخابات الرئاسة. تحمل منصور النقد الجارح والسخرية بأدب جم وواجهه بتعففه عن الرد وابتسامته النادرة. أما أكثر ما أعجبنى من تعليقات على حواره مع لميس الحديدى فكان قول إحداها عن حق على تويتر «هذا الهدوء فى الحديث وهذه الرصانة علاج لآذان المصريين بعد عام كامل من التلوث السمعى واللفظى».

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات