هل يمكن فى دولة قامت فيها ثورة أن تحاكم المجرمين وقادة ورموز النظام الذى قامت عليه بنفس القوانين التى وضعوها والتى فرغوها من الأدانة الحقيقية لهم لاسيما فيما يتعلق بالفساد السياسى والإدارى وإفساد الشعب وتدمير الدولة؟ هذا ما يحدث الآن فى مصر، أن الجميع يتعامل مع ما يحدث على أنه لم يكن ثورة لاسيما الذين جاءت بهم الثورة إلى سدة الحكم، شخص واحد قرر أن يتعامل مع ما حدث على أنه ثورة وهو النائب العام المستشار طلعت إبراهيم الذى يحارب على نطاق واسع من كل القوى الرجعية التى تريد العودة بالثورة للوراء، وحينما بحثت فى سر هذه الحرب على النائب العام، وجدتها تكمن فى أشياء كثيرة، أهمها أن الرجل أسس ما كان يجب أن يؤسس من أول يوم قامت فيه الثورة وهو «نيابة الثورة»، حيث أصدر النائب العام فى بداية يناير الماضى قرارا بتشكيل نيابة حماية الثورة برئاسة المستشار عمرو فوزى المحامى العام الأول وعضوية عشرين من رؤساء ووكلاء النيابة العامة بهدف التحقيق فى تقرير لجنة تقصى الحقائق والتعامل مع حالة الفلتان الأمنى القائم فى البلاد، وبالفعل قامت نيابة الثورة باستدعاء العشرات من السياسيين السابقين وحتى العسكريين وكثير من المعتقلين على ذمة قضايا من رموز النظام السابق فى صمت ودون ضجة إعلامية، وعملت جهدا مميزا بعيدا عن وسائل الأعلام التى تلعب ضد ما هو فى صالح هذا الشعب وصالح الثورة فى هذه المرحلة، ولأن التحقيقات ودقتها هى أهم ما يجب أن يجرى فى هذه المرحلة حتى لا تتحول القضايا إلى قضايا فارغة، كما حدث فى معظم القضايا التى حولت إلى المحاكم فى عهد النائب العام السابق وكانت خالية من الأدلة والقرائن التى جعلت القضاة يحكمون بالبراءة.
«نيابة الثورة» وهى أحد أهم إنجازات النائب العام حتى الآن قامت بالتحقيق فى قضايا كثيرة لم يعلن عنها الإعلام الذى يديره الفلول لاسيما ما يتعلق بالتحقيقات فى ملف لجنة تقصى الحقائق أو فى المعلومات التى بدأت ترد للنائب العام عن حجم الفساد الهائل الذى كان مختفيا وبدأ بعض المخلصين من الشعب المصرى يمدون النيابة بملفاتها، الأمر الآخر هو أن النيابة العامة قررت التعامل مع الفوضى القائمة فى البلاد بشكل حاسم فلم تعد تصدر أحكاما بالحبس على مثيرى الشعب والفوضى الذين يسميهم الإعلام المتواطئ متظاهرين، أربعة أيام ثم يخلى سبيلهم فيعودون إلى الشوارع ليمارسوا سياسية الفوضى وإنما طبقت نظام الحبس خمسة عشر يوما وتجدد وجمعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية ما يزيد على سبعمائة من البلطجية ومثيرى الشغب مما يسميهم الإعلام متظاهرين أو ثوريين ووجهت لهم تهما ويحاكمون الآن عليها مما دفع غيرهم لإعادة حساباتهم، كما كشفت عن بعض ممولى بلاك بلوك، وبدأت فى ضبط أسباب الفوضى فى البلاد، كما أن قضية استيلاء مبارك على اموال القصور الرئاسية وقضايا الفساد الأخرى كانت هى السبب وراء بقاء مبارك فى الحبس بعد قرار المحكمة بالإفراج عنه.
إن هناك ملفات ومفاجآت عديدة يعدها النائب العام سوف تعيد الثورة لمسارها هى السبب فى الحملة عليه ولكن هل يمكن لنيابة الثورة أن تكون فاعلة دون تأسيس محكمة للثورة؟