يوم الأربعاء الماضى زارنى السفير الألمانى بالقاهرة فرانك هارتمان مشكورا فى مكتبى. تحدثنا لنحو الساعة ونصف الساعة، وبالطبع كان محور الحديث الأزمة الأوكرانية، ومستقبل العلاقات الروسية الأوروبية، وموقف ألمانيا خصوصا أنها تعتمد كثيرا على الغاز الروسى، وتأثيرات الأزمة على العالم ومصر.
هارتمان مولود عام ١٩٦٥ فى مدينة آخن، ويجيد الإنجليزية والصينية والفرنسية، ودرس العلاقات الدولية بجامعة برلين الحرة، ثم درس بالجامعة الصينية فى هونج كونج، وخدم فى بكين وطوكيو وسراييفو، ويعتبر خبيرا فى الشئون الصينية، حيث أقام هناك لست سنوات وخدم فيها لفترتين كما كان سفيرا فى اليابان وكوريا الجنوبية، إضافة إلى إيرلندا.
وقبل أن يأتى إلى القاهرة سفيرا فى أغسطس الماضى عمل مفوضا لشئون إدارة الأزمات بوزارة الخارجية الألمانية فى برلين.
هو مطلع أيضا على منطقة الشرق الأوسط، ويكن تقديرا كبيرا لمصر وحضارتها، ويعتبرها حجر الأساس فى استقرار المنطقة.
السفير سعيد بإقبال المصريين على المدارس الألمانية الخمسة الموجودة فى مصر، فهى تعتبر ثانى أكبر دولة فى العالم من حيث عدد المدارس والجامعات الألمانية خارج أوروبا، ويبلغ عدد الطلبة المصريين الذين يدرسون اللغة الألمانية بها نحو 400 ألف، خصوصا فى الجامعة الألمانية بالقاهرة.
لكن الموضوع الذى بدأت به الكلام مع السفير كان عن تقديره للموقف الصينى، باعتباره خبيرا فى الشئون الصينية.
هو يعتقد أن الموقف الغربى القوى ضد روسيا من غزو أوكرانيا، أرسل رسالة قوية للصين، وسيمنعها من غزو تايوان، وهو يعتقد أيضا أنه لا توجد خطط صينية لغزو تايوان.
فى تقديره أن العقلاء فى القيادة الصينية يحسبون الأمور جيدا، فالمصالح الاقتصادية الهائلة للصين فى أوروبا والولايات المتحدة ومعظم العالم، ستجعلهم يفكرون كثيرا قبل أن يقدموا على مثل هذه الخطوة، خصوصا أنهم يرون الآن النتائج المدمرة للحرب على الاقتصاد الروسى.
السفير يقول إن بنوكا صينية تتردد الآن فى إعطاء قروض وضمانات لروسيا وشركاتها خوفا من تأثير ذلك على نشاطها المستقبلى فى بقية دول العالم. ويقول هذا هو الواقع حتى لو كان هناك دعم سياسى صينى لروسيا.
سألت السفير عن خطط ألمانيا للتوقف عن استيراد الطاقة الروسية، فقال إن هذا الأمر سوف يستغرق وقتا، لكن هناك قرار ألمانيا بتنويع مصادر استيراد الغاز، وقد ذهبنا بالفعل إلى قطر والإمارات والنرويج بحثا عن البدائل. فى الوقت نفسه نحن لا نمنع الدول الأخرى من استيراد الغاز من روسيا.
هل كان قرار الرئيس فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا مفاجئا لكم؟
السفير يجيب بنعم، وقبل الحرب بيومين فإن المستشار الألمانى شولتز زار موسكو، وحصل على وعود من بوتين بعدم الهجوم. ثم إن ألمانيا استثمرت كثيرا فى علاقتها مع روسيا على مر سنوات طويلة لظروف تاريخية كثيرة. البعض يلومنا على هذه العلاقات، لكن لم يدر بخلدنا أبدا أن تغزو روسيا أوكرانيا، كنا نعتقد أن نشر القوات الروسية على الحدود هو للتهديد والحصول على مكاسب سياسية وليس للغزو.
السفير الألمانى يرى أن الغزو سبب جرحا داميا، وبالتالى لا يتوقع أن تعود الأمور إلى طبيعتها بين روسيا وأوروبا، لأن موسكو عصفت بنظام السلام الدولى بعد الحرب العالمية الثانية. وبالتالى فحتى الاقتصاد الروسى لن يكون بمقدوره إعادة الاندماج فى الاقتصاد الأوروبى.
أما من يقولون إن الغرب لم يقدم ضمانات لروسيا، فذلك غير صحيح من وجهة نظره، والدليل هو «ضمانات بودابست» عام ٢٠٠٣ فمقابل اعتراف روسيا باستقلال وسيادة أوكرانيا، فإن الأخيرة فككت أسلحتها النووية وسلمتها إلى روسيا عقب تفكك الاتحاد السوفييتى.
فى رأى السفير الألمانى أن العلاقات المصرية مع أوروبا وألمانيا متميزة وهناك مساعدات إضافية لدعم الواردات الغذائية المصرية.
وحجم التعاون التنموى بين مصر وألمانيا يبلغ نحو ١٫٦ مليار يورو، أما حجم التبادل التجارى فيصل إلى ٤ مليارات يورو.
يقول السفير إن الغرب لم يجعل صادرات القمح والحبوب الروسية مشمولة فى العقوبات، فى حين أن روسيا وبيلاروسيا قالتا إنهما لن يقدما الحبوب للدول غير الصديقة.
هذه هى وجهة نظر السفير الألمانى. لكن ماذا عن الاتهامات الموجهة للغرب بشأن ازدواجية المعايير مع كل من أوكرانيا وفلسطين؟.
سؤال سنجيب عنه لاحقا إن شاء الله.