نشر موقع بروجيكت سينديكيت مقالا للكاتبة آنا بالاسيو تتناول فيه عدم اهتمام الاتحاد الأوروبى بقارة أمريكا اللاتينية التى تشهد أوضاعا اقتصادية واجتماعية متدهورة فى جميع أرجائها، أشعلت الاحتجاجات فى كوبا الآن، منبهة على أن الصين قد تستغل هذه الفرص لزيادة تدخلاتها فى القارة وتهديد مصالح أوروبا والولايات المتحدة.. نعرض منه ما يلى.
نزل آلاف الكوبيين إلى الشوارع نهاية الأسبوع الماضى احتجاجا على نقص الغذاء والدواء ــ وهى أكبر احتجاجات تشهدها البلاد منذ عقود، والأمر لا يقتصر فقط على الكوبيين، بل هو منتشر فى جميع أرجاء أمريكا اللاتينية؛ حيث تتفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتى ستؤدى حتما إلى عواقب وخيمة، ولذلك، على الاتحاد الأوروبى أن يبدأ الاهتمام بالمنطقة.
تضعف الاقتصادات فى القارة تدريجيا، وتكتسب الشعبوية زخما.. جاءت أزمة وباء كورونا لتغرق القارة فى أسوأ ركود اقتصادى لها منذ قرن. قضى الوباء على الطبقة الوسطى وزاد من اللا مساواة فى منطقة كانت بالفعل من أكثر مناطق العالم انعداما للمساواة. يعيش ثلت الأمريكيين اللاتينيين الآن فى فقر مدقع (1,90 دولارًا فى اليوم أو أقل، وفقًا لتعريف البنك الدولي).
قد يبدو أنه من غير الملائم الحديث عن أمريكا اللاتينية على أنها كيان واحد، نظرا لطبيعتها التى تشهد تنوعا اجتماعيا واقتصاديا كبيرا. ولكن التحديات التى تواجهها دول أمريكا اللاتينية متشابهة إلى حد كبير؛ من تشيلى والإكوادور إلى فنزويلا وبيرو، هناك أزمات فى الهوية الوطنية. ووسط تفشى الفساد السياسى الممنهج، يفتقر الأمريكيون اللاتينيون إلى الثقة فى مؤسساتهم ــ وهو اتجاه ساهم فى انهيار الأحزاب السياسية التقليدية وبروز المرشحين الشعبويين، مع تراجع الديمقراطية وانتشار خيبات الأمل.. لعكس هذه الاتجاهات، تحتاج المنطقة إلى تغيير هيكلى عميق. ويتعين على المجتمع الدولي ــ وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ــ تقديم المساعدة.
أثناء الحرب الباردة، غالبًا ما كانت أمريكا اللاتينية تُعامل على أنها بيدق على رقعة الشطرنج الجيوسياسية العالمية. إلى حد كبير، هذا الحال مستمر حتى الآن، على الرغم من أن الصين الآن، وليس الاتحاد السوفيتى، هى التى تنافس الولايات المتحدة على النفوذ.. عملت الصين بجد فى السنوات الأخيرة لإعادة توجيه تجارة أمريكا اللاتينية بعيدًا عن الولايات المتحدة، ومن المقرر الآن أن تصبح الشريك التجارى الرئيسى لأمريكا اللاتينية بحلول عام 2035.
فى الماضى، عندما تم التلاعب بأمريكا اللاتينية واستخدامها من قبل القوى العظمى، لم يمنع هذا من أن يكون للقارة دور عالمى مؤثر. فعلى سبيل المثال، شكلت القارة نصف الوفود فى مؤتمر بريتون وودز فى عام 1933، ولعبت القارة دورا مهما فى إرساء أسس النظام العالمى الليبرالى. فى الآونة الأخيرة، كانت أمريكا اللاتينية قوة دافعة وراء اعتماد اتفاقيات دولية بارزة، من خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى اتفاقية باريس للمناخ. والقارة هى موطن للعديد من الاقتصادات التى، قبل بضع سنوات فقط، كانت تمتلك إمكانات نمو هائلة.
الإهمال الغربى للقارة كبير خاصة فى حالة الاتحاد الأوروبى. تأخرت فكرة التعامل مع أمريكا اللاتينية ككتلة واحدة، وفقط بعد انضمام إسبانيا والبرتغال فى عام 1986 إلى الاتحاد الأوروبى بدأت تظهر شبه سياسة إقليمية. ولكن بعد 35 عاما، لا تزال هذه السياسة غير مكتملة. تعلن المفوضية الأوروبية بفخر أن الاتحاد الأوروبى هو أهم شريك إنمائى لأمريكا اللاتينية، وهذا بالفعل مبالغة كبيرة.
يمكن التفكير هنا فى مصير اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبى وكتلة ميركوسور (الأرجنتين والبرازيل وباراغواى وأوروغواي). الاتفاق، الذى تم توقيعه فى عام 2019 كجزء من اتفاقية شراكة أوسع بين المنطقتين، أعطى آمالًا كبيرة وكان من المقرر تخفيض أكثر من 90٪ من الحواجز الجمركية على مدى عقد من الزمان. ولكن، للأسف، لم يتم التصديق على الاتفاقية. وبدلا من ذلك، تم تعليقها بسبب المخاوف البيئية، وبالأخص تدمير الأمازون فى البرازيل. السياسة التجارية للاتحاد الأوروبى الآن لديها معايير بيئية ومعايير عمل صارمة. هذا، جنبًا إلى جنب مع الاستراتيجية الجديدة لكتلة ميركوسور لتمويل الانتقال إلى اقتصاد مستدام، يعنى أنه من غير المرجح أن تمضى الاتفاقية قدما دون أحكام وشروط جديدة.
هناك بالفعل سبب وجيه لذلك؛ فالإدارة السليمة للموارد الطبيعية ضرورية لتحقيق الازدهار على المدى الطويل. ومع ذلك، لا يمكن لأوروبا أن تتجاهل الأهمية الاستراتيجية لأمريكا اللاتينية، أو تأخذ مصلحة ميركوسور فى الصفقة، التى استغرقت 20 عامًا للتفاوض بشأنها، كأمر مسلم به، لا سيما بالنظر إلى جهود الصين لتعزيز وجودها فى المنطقة. بعد كل شيء، المخاوف البيئية لن توقف الصين.
تعكس أحدث توصيات مجلس الاتحاد الأوروبى اعتراف أوروبا بحاجتها إلى تعزيز مشاركتها العالمية. «أوروبا متصلة عالميًا»، كما تسمى الوثيقة، «تدعو» المفوضية والممثل الأعلى للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، إلى «تحديد وتنفيذ مجموعة من المشاريع والإجراءات المرئية والمؤثرة على مستوى العالم». ولكن فى حين يتم تسليط الضوء على العديد من البلدان الآسيوية، فإن أمريكا اللاتينية يتم تجاهلها. كما لم تذكر توصيات مجلس الاتحاد الأوروبى الصين. ولكن هذا لا يعنى أن الوثيقة تهمل الصين، بل فى الأصل فالصين هى الدافع الرئيسى وراء توصيات الوثيقة. وينطبق الشيء نفسه على استراتيجية الاتحاد الأوروبى للتعاون فى المحيطين الهندى والهادئ، والتى تتجنب أيضًا أى ذكر صريح للصين.
يدرك الاتحاد الأوروبى جيدًا أنه عندما يتعلق الأمر بتوسيع نفوذه داخل بلد أو منطقة ما، فإن الصين تكون المنافس له على المدى البعيد. لكن الصين بارعة أيضًا فى تحديد الفرص لإحراز تقدم سريع، وتمثل الأزمات المتصاعدة فى أمريكا اللاتينية فرصتها الذهبية.
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى