لا يمكن لمن يدخل حى الزمالك من جهة بولاق أبو العلا أن يتجاهل أمرين، الأمر الأول غياب كوبرى أبو العلا الذى تم فكه ليختفى رافعا شعار: خرج ولم يعد، أما الأمر الثانى فهو حالة الأبهة والفخامة التى يبدو عليها قصر عائشة فهمى الذى كان اسمه قبل ربع قرن مجمع الفنون وبعد سنوات الإغلاق الطويلة تم ترميمه وجرى افتتاحه قبل 3 سنوات وعاد القصر شابا من جديد.
ويبدو الربط بين الأمرين ضروريا هذه الأيام، فما أن تدخل القصر لمشاهدة المعرض الجميل «مختارات من الفن الأوروبى» حتى يملأك الأمل فى استعادة كوبرى أبو العلا وإعادة تركيبه، ليمر قرب القصر ويصبح متنفسا حضاريا أوممشى للناس يضم مرسما مفتوحا أو أكشاكا لعزف الموسيقى وشراء الكتب القديمة، ومما يعزز الأمل فى استعادة الكوبرى الحالة الرائعة التى ظهربها كوبرى إمبابة أخيرا بعد ترميمه.
ويشعر زائر المعرض، بالكثير من الفخر، لأن فريقا من المرممين المصريين تمكن من ترميم نحو 100 لوحة لكبار فنانى العالم أمثال رينوار وديجا وبول جوجان إدوارد مانيه، وألفريد سيسلى بهذه الدرجة العالية من المهارة والحرفية
وتسلط اللوحات الضوء على إرث فنى مبهر تمتلكه المتاحف المصرية ويعد من الأصول الحضارية للدولة، وبالتالى فهو بحاجة إلى خطة شاملة تضمن التعريف به وصيانته وإتاحته فى سلسلة من العروض سواء كانت دائمة أو متجولة، أو داخل قاعات عروض متغيرة تستلهم النموذج الذى أتاحه قصر عائشة فهمى فى العامين الأخيرين.
ومن غير اللائق أن تفتقر مصر برصيدها الكبير لوجود متحف كبير للفن المصرى الحديث والمعاصر يؤدى دوره فى التوثيق والتحليل انتاج المعرفة الجادةوالجديدة حول ما لدينا من ثروات تشكيلية.
ومن ناحية أخرى تحتاج مشاهد الطوابير التى لا تنتهى أمام أبواب معرض كنوز الفن الأوروبى لوقفة تأمل من مخططى السياسة الثقافية، لأنها تشير إلى وجود نوعية جديدة من الجمهور الشاب بدأت تقبل على المعارض سواء بغرض الحصول على فسحة مجانية ومشاهدة النيل من زاوية جميلة أو لاكتشاف كنوز القصر أو تنمية الاهتمام بالفن التشكيلى وهى أغراض مهمة تمثل خطوة هائلة كنا بحاجة إليها لكسر عزلة هذه الأماكن.
ولعل أهم مميزات القصر مقارنة بمواقع أخرى أنه مفتوح لأكثر من 12 ساعة أمام الشباب الذين لا يتوقفون عن التقاط الصور التذكارية فى مداخل القصر ومخارجه فى مشاهد تثير البهجة وتصنع دعاية مجانية للمعرض على مواقع التواصل الاجتماعى وتقول الصور إنه قد توافر لنا أخيرا مكان ثقافى لا يغلق أبوابه فى وجه الشباب.
ولعل بيننا من يتذكر أن أحد أسباب الشعور الدائم بالخوف الدائم على مقتنيات المتاحف، كونها ظلت لسنوات أماكن بلا جمهور تخلو أغلب الوقت من الرواد، بعد أن توقفت أغلب المدارس عن تنظيم رحلات ثقافية وأصبحت تركز على الرحلات الترفيهية فقط.
ومن المؤسف أنه لم يعد بإمكان أبناءنا مشاهدة ما شاهدناه ونحن طلابا، فقد رأينا كنوز وثروات متحف الشمع أو المتحف الزراعى ومتحف محمود مختار ومتحف الفن الحديث بفضل الرحلات المدرسية رغم أننا لم نكن من طلاب مدارس اللغات أو الانترناشينونال سكول، بل كانت مدارسنا عادية حكومية وملابسنا كلها كنا نشتريها من عمر أفندى وشركة بيع المصنوعات.
وما زالت أتذكر تحقيقا صحفيا أجريته عقب سرقة لوحة زهر الخشخاش من متحف محمد محمود خليل أشار إلى أن عدد زوار المتحف يومها لم يتجاوز 20 زائرا فى أفضل التقديرات وهو رقم مخجل يسر من عملية سرقة اللوحة ووضع السياسة الثقافية كلها فى مهب الريح. فما هى قيمة تأسيس مراكز ثقافية لا يرتادها الناس!
وعليك أن تصدق عزيزى القارئ أن هناك معرض للفن التشكيلى فى مصر لن تدخله إلا بعد الوقوف فى طابور متحضر وإلى جوارك الكثير من الزائرين، ولايهدف المنظمون للتنكيد عليك وإنما هدفهم حماية جنابك من مخاطر الاختلاط وضمان وسيلة آمنة لمشاهد جادة وفعالة لمعرض رائع لا يقل فى الجودة وطرق العرض عما تراه فى أكبر متاحف العالم.
والتحية واجبة لكل من سعى لإقامته وتنظيمه وأخص بالذكر وزيرة الثقافة الدكتور إيناس عبدالدايم ورئيس قطاع الفنون التشكيلية الدكتور خالد سرور والفنان إيهاب اللبان قوميسير المعرض المشرف على قصر عائشة فهمى ومن يعملون معه من الشباب الذين يستقبلون الجمهور المتدفق بابتسامة وطولة بال وأكبر شهادة على نجاحهم تلك الأعداد الهائلة من الزائرين التى خلقت للقصر أسطورة جديدة تضاف إلى أساطيره القديمة .