دعانى الدكتور عطية حسين أفندى الأستاذ بقسم الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأحد الماضى ــ للعام الثانى ــ للحوار مع الدارسين فى برنامج الماجستير فى الإدارة العامة والسياسات العامة الذى يطرحه القسم، وكان موضوع النقاش كتاب «الأداة الحكومية. نظام جديد وحياة جديدة»، الذى صدر فى عام 1943، ووزعت منه نسخ قليلة بسبب الرقابة على المطبوعات فى ذلك الحين، ثم أعيدت طباعته فى عام 1945 بعد أن خفت القيود المفروضة. مؤلفاه هما الدكتور إبراهيم مدكور ومريت غالى، وكلاهما استمر تأثيره قبل وبعد ثورة 1952. الأول له كتابات مهمة فى الفلسفة الإسلامية واللغة العربية، واشترك فى العمل السياسى، وخلف الدكتور طه حسين فى رئاسة المجمع العلمى المصرى، والثانى تولى مواقع دبلوماسية ووزارية، وله كتابات فى السياسة والاقتصاد. وقد أعادت مكتبة الاسكندرية طباعة الكتاب بعنوان «الأداة الحكومية. إصلاح مؤسسات الدولة فى مصر»، بمقدمة ثرية من الدكتور أحمد صقر عاشور، وكتب الدكتور مصطفى الفقى تصديرا له، وذلك ضمن مشروع إعادة إحياء كتب التراث.
الكتاب ممتع، يجب أن يقرأه كل مهتم بالسياسة والإدارة فى مصر. ويرى المؤلفان أن المشكلة الإدارية تسبق كل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وحسب تعريفهما فإن الأداة الحكومية ليست الإدارة العامة فقط، لكنها مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية التى تتقاسم أدوار التشريع والتوجيه والتنفيذ والرقابة والفصل فى المنازعات. وكثير من التحديات التى واجهت هذه المؤسسات وقت صدور الكتاب، مستمرة إلى الآن بصورة أو بأخرى، مما يعنى أن المجتمع يحتاج إلى جهد وإرادة حتى يصل إلى الإصلاح المنشود الذى دعا إليه مدكور وغالى، فإلى جانب انتقاداتهما للعمل البرلمانى، وشيوع المحسوبية، والتداخل بين السياسة والجهاز الإدارى، وعدم تناسق توزيع الخدمات العامة، والمركزية الشديدة، وتعقد الاجراءات وغموض اللوائح، والتهام الرواتب للموازنة العامة، وهى مشكلات قديمة جديدة، فقد لفت المؤلفان الانتباه إلى أُس الداء فى البيروقراطية المصرية الذى يتمثل فى أن الموظف لا يرى نفسه خادما للشعب أو مراعيا لقيم الخدمة المدنية، ولكن يتصرف بوصفه مانحا للخدمة، وصاحب سلطة على الناس.
الكتاب مبدع، لا يكتبه إلا عالمان، يمتلكان الأفق والخبرة والمعرفة المتسعة، وأيضا اللغة العربية الرصينة التى تستميل القارئ، ولا تزعجه بعبارات أكاديمية خشنة. ومن يقلب صفحاته يُخيل إليه أنه يتحدث عن واقع يمتد على مدى عقود دون تغيير، وهو ما حاول الدكتور محمد صقر عاشور أن يوضحه فى المقدمة من خلال تتبع تشكل المؤسسات العامة منذ عهد محمد على باشا إلى حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، حيث تستمر نفس المشكلات، ويكثر الحديث عن الإصلاح دون فعل، وتغيب مبادرات الإصلاح التراكمية، وتختفى الرؤى الاستراتيجية، وتتوارى إرادة الإصلاح، ويدافع الجهاز الإدارى عن امتيازاته، ويقف فى وجه كل جهود الإصلاح.
وقد كان لافتا بالنسبة لى، أن علمت أن عددا من دارسى الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بقيادة الدكتور عطية حسين أفندى، أنشأوا الجماعة العلمية للإدارة العامة، وهى عبارة عن تكوين افتراضى، أطلقوا عليها اسم «جماعة أحمد رشيد»، اعترافا بفضل أستاذ الإدارة المعروف، ومؤسس قسم الإدارة العامة بهذه الكلية العريقة، ورئيسه لمدة سبع سنوات (1990ــ1997)، وصاحب الكتابات القيمة فى هذا المضمار، وتتلاقى هذه الجماعة العلمية على دراسة المؤلفات المهمة، وتوسيع نطاق المعرفة العامة، والتأكيد على أسس البحث العلمى الرصين، وتنمية مهارات الكتابة العلمية، ووجدت نفسى أجدد علاقتى بمدرسة أحمد رشيد، تلك المدرسة الثرية، التى أحدثت تطورا فى دراسة علم الإدارة العامة، وجعلته أكثر تفاعلا مع السياسة والاجتماع والثقافة.